حسن نصر الله.. وسخرية الأقدار!

أحمد الصراف
كتبت في 20/7/2006 مقالاً عن زيارة وفد كويتي للبنان، لتقديم التهنئة بتحرر أرضه من الإسرائيليين. ضمّ الوفد عدداً كبيراً من سيدات الجمعية الثقافية النسائية، وأعضاء من مجلس الأمة ووزراء سابقين ورجال أعمال، وكتّاب صحافيين ونشطاء سياسيين، من بين هؤلاء: علي ثنيان الغانم، ومحمد الصقر، وعبدالوهاب الهارون، وفيصل الشايع، والمرحوم علي البغلي، وعبدالله الطويل، وموسى الصراف، ومعصومة المبارك، وعبدالرحمن الحمود، ويوسف الجاسم، وأنور الياسين، ود. هلال الساير، ومحمد البصيري، ورولا دشتي، وفاطمة فواز، وغيرهم، وكان ذلك في 6 ــ 8 ــ 2000. في اليوم الذي كان يفترض أن نلتقي بالرئيس الحريري، توفي الرئيس الأسد، فغادر الحريري لتقديم التعزية فيه، فتغيّر البرنامج، وأصبحت الأولوية للقاء السيد نصرالله، الذي اعتبره الكثيرون حينها «بطل التحرير»! عارضت الذهاب معهم، لكن عضلات موسى الصراف، وقوة عبدالله الطويل، أجبرتاني على مصاحبتهم، عنوة. وهناك حرصت على أن أكون آخر الداخلين، وهذا أتاح لي فرصة التخلّف عنهم، من دون أن ينتبه أحد من الوفد لغيابي. لم يكن قراري حصيفاً في حينه، ولم يكن لدي تفسير لتصرفي، يمكن أن يقنع من سيسألني عن سبب رفضي الدخول على «سيد المقاومة»، والشخصية الطاغية والأكثر شهرة وقوة في تاريخ لبنان الحديث، والتي تحكّمت بمصيره، وبكل سياسييه، وبقيت كذلك حتى لحظة قيام الصهاينة في اغتياله قبل أيام. مرّت قرابة الساعتين، وأنا واقف على قدمي، مع آلام ظهر مبرحة، وأصبح الأمر مزعجاً مع عدم وجود كرسي. كما كان منظر المسلحين، الذين كانوا يطلون من نوافذ وبلكونات المباني المطلة على المقر مقلقاً بالفعل، وكان تتبعهم لحركاتي يمنعني، أو هكذا شعرت، من مغادرة المكان، وكان الجو من حولي معادياً بالفعل، لكن كنت على ثقة بأنني فعلت ما كنت منسجماً معه من آراء خاصة وأفكار، والتي لم تتغيّر حتى لحظة كتابة هذه الكلمات. كان هناك شعور عام بروعة موقف السيد، وأنه يتحدث باسم لبنان ويعمل لمصلحته، وهذا ما كنت لا أؤمن به. ولم يكن ذلك مجرّد شعور أو استنتاج، بل حقيقة لم يكن الراحل يتردد في الحديث عنها، ولم يخف يوماً حلمه في أن يرى لبنان جمهورية تتّبع نظام ولاية الفقيه! لم يتردد بعض أعضاء الوفد بعدها في توجيه بعض من اللوم المؤدب لموقفي، لكن الوقت لم يطل كثيراً ليكتشفوا تالياً أنني كنت على حق، خاصة بعد أن أعلن السيد، خلال حرب 2003 بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، عن وقوفه مع العراق وتأييده لصدام، وضد التدخل الأمريكي، وهذا كان رأيه، وكان علينا احترامه، لكنه أسرف في الهجوم على الكويت، بشكل قاس، لا لشيء، إلا لأننا أيدنا الموقف الأمريكي، وكان موقفنا تالياً سبباً في ما نالنا من أذى كبير وكثير من «حزب الله»، لا يتسع المجال لسرده، وكان وقع تلك الأعمال، على وطننا الآمن والصغير، مؤلماً جداً، دفعنا ثمنه غالياً. كما تأثرت أوضاع الكثير من اللبنانيين في دبي والسعودية وقطر وعمان من عمليات «حزب الله» الإرهابية. *** لقد رحل السيد حسن، وأصبح في ذمة التاريخ، الذي سيحكم عليه بطريقته، لكن ظاهرته، بشكل عام، لم تكن «دائماً» خيراً على لبنان. الكتابة في هذا الموضوع مؤلمة ومؤسفة وذات شجون، بقدر ما هي مضحكة قليلاً، ومبكية كثيراً جداً، وربما يتطلب الأمر الاستماع وقراءة وكتابة مئات المجلدات والكتب والمراجع والمقابلات، لفهم حقيقة ما حدث، وهذا ما لا نمتلكه، ولن نمتلكه أبداً.

الارشيف

Back to Top