بعد سنوات.. بدت كالدهر طولاً

بعد مئات المقالات والملاحظات، تحركت الحكومة، وغالباً بضغوط خارجية، وحمّرت عيونها على كل ما كان يجري ويحدث من مخالفات، مالية وإدارية، في الكثير من المبرات والجمعيات الخيرية، التي بلغ عددها الستين تقريباً، علماً بأن تضخّم عددها لم يكن يوماً لكثرة محبي الخير، والتقرّب لله، بل حباً أو طمعاً في نسبة القائمين عليها، التي من حق إدارة أي جمعية خيرية استقطاعها من أموال التبرعات، لا تقل عن 12.5 بالمئة، وتزيد على ذلك في المشاريع الخارجية، وهي نسب يسيل لها لعاب الكثيرين!

وبالتالي كان من الضروري قيام الوزارة، بإصدار مجموعة من الضوابط، أهمها:

1 ــ على كل الجمعيات الخيرية والمبرات صرف مساعداتها من خـلال التحویل المصرفي فقط، واقتصار إصدار الشيكات للحالات الضرورية، التي یتعذر معها إجراء التحویل.

2 ــ التحویلات المالیة الصادرة عن الجمعیات الخیریة والمبرات، سواء الرواتب أو المساعدات أو غیرها، یتم تقدیم الطلب بها من خلال نظام میكنة إدارة الجمعیات الخیریة والمبرات بالوزارة، ویتم إصدار الموافقة مباشرة وتوجیهها للمصرف المحلي، بناء على الربط الإلكتروني مع كل المصارف، على أن یتم إخطار الجمعیة الخیریة / المبرة، من خلال النظام، بأن الموافقة قد تم اعتمادها.
* * *
تأثرت كل المبرات والجمعيات الخيرية، حتى الملتزمة منها كجمعية الصداقة الكويتية الإنسانية، التي لا شائبة تدور على أعمالها، بالضوابط الجديدة، التي طالما طالبتُ شخصياً بها، على مدى ربع قرن، عبر مئات المقالات، وعانيت وتكلفت مادياً الكثير بسبب ذلك، ولكن تأثرنا كان بسيطاً، مقارنة بتلك الجمعيات غير المنضبطة، فقد شكلت لها الضوابط الجديدة ضربة مؤلمة، قد تدفع بعضها، بعد أن شلّت قدراتها، في الصرف والتلاعب، لأن تغلق أبوابها. فقد كان بعض مسؤولي الجمعيات يقومون بتسجيل خدمهم وعمالتهم على الجمعيات التي يديرونها، بصورة صورية في جمعياتهم، وغالباً يدفعون رواتبهم من أموال الجمعية، واستمرار هذا الوضع الآن أصبح بالغ الصعوبة. كما أن استمرار الجمعية في الصرف على مشاريعها، خاصة داخل الكويت، أصبح صعباً أيضاً. كما أصبح من غير الممكن الاستفادة المادية من قيد العمالة على إقامة الجمعية، وعملهم، في الوقت نفسه، خارجها، فهذا يتطلب نقل إقاماتهم لجهات عملهم الحقيقية، وهكذا مع الأمور الأخرى مثل استقطاع نسبة القائمين عليها، حيث يحتاج الأمر لموافقة الوزارة على كل دينار تصرفه الجمعية.

نعيد ونكرر بأن الجمعيات «النظيفة» ستتعب قليلاً من الاشتراطات والضوابط الجديدة، لكن البقية ستتعب أكثر بكثير. إن كل هذه الاشتراطات القاسية تبين «ملل» الجهات الرقابية داخل الكويت وخارجها، وفي الولايات المتحدة بالذات، من شبه فلتان الوضع الرقابي على الجمعيات. وتقاعس الحكومة عن الحزم في التعامل معها يعني وقوعنا في منطقة الخطر والحظر، ففي أكتوبر2025 ستقوم الجهات الدولية بمراجعة إجراءات تصحيح العمل الخيري لدينا، وفشلنا في ذلك سينعكس على سمعتنا دولياً، وبالتالي على اقتصادنا.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top