منذ صغري وأنا لا أحب تناول وجبات الطعام الباردة، من رز ومرق وسمك أو لحم، ومع الوقت أصبحت أتناول طعامي بسرعة، خوفاً من أن يبرد. وكنت أحياناً أبدو وكأنني أتناول آخر وجبة في حياتي!
طال انتظاري لصديق يوماً في أحد مطاعم لندن، فقررت ملاحظة أو مراقبة طرق البعض في تناول الطعام، وطبقت التجربة في عدد آخر من المطاعم، بينها هندية وإيرانية وتايلندية، إضافة للفرنسية والإيطالية، فلاحظت أن رواد المطاعم الثلاث الأولى، ينتهون من تناول طعامهم بسرعة أعلى من رواد المطعمين الآخرين، والسبب يعود غالباً، لرغبة رواد المطعمين الأخيرين للتوقف عن الأكل، وتناول شيء من السوائل «المناسبة»، وهو ما لا يحرص عليه، غالباً، روّاد المطاعم الثلاثة الأولى!

الأكل متعة من متع الحياة، ومن الخطأ الفادح تناوله ونحن منشغلون بمشاهدة التلفزيون أو الانشغال بالهاتف، فجميع هذه التصرفات تبعدنا عن الاستمتاع بما نتناوله، إلا إذا كان «طعام ريجيم»!

واهمٌ من يعتقد أن تناول الطعام بسرعة، عمداً أو عادة أو توفيراً للوقت، أمر حسن، بل فيه مضار كبيرة، ولكن ليس من السهل التخلّص من عادة قديمة، خاصة بعد سنوات من التعود عليها.

التهام الطعام بسرعة لا يقلّل من متعة الوجبة الجيدة فحسب، بل وله تأثيرات غير صحية، ويعرّضنا لخطر الإصابة ببعض الأمراض، وهي:

1 – السُّمنة، فتناول الطعام بسرعة سبب في زيادة الوزن. فالمضغ القليل والأكل السريع ينتج عنهما تناول كميات طعام أكبر، هذا إضافة للشعور بعدم الراحة.

2 – يؤدي تناول الطعام بسرعة إلى تعطيل هرمونات الأمعاء، التي تساعد في تنظيم الشهية، وتحفز الدماغ ليخبرنا بأننا نشعر بالامتلاء.

3 – لا يسبب تناول الطعام بسرعة الإصابة بالسكري 2، لكن من الممكن أنه يؤدي إلى تحفيز الجسم، بشكل إضافي، في هذا الاتجاه. فالسمنة هي السبب الرئيسي لمقاومة الأنسولين.

4 – ترتبط مقاومة الأنسولين ارتباطاً وثيقاً بمتلازمة التمثيل الغذائي – وهي مجموعة من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة ليس فقط بمرض السكري، ولكن أيضاً بأمراض القلب والسكتة الدماغية.

5 – تناول الطعام بسرعة له علاقة بالتهاب المعدة التآكلي، وهو التهاب يأكل بطانة المعدة، مما يتسبب في حدوث تشققات ضحلة أو تقرحات، في بعض الأحيان. كما أن الذين يلتهمون طعامهم بسرعة هم أكثر عرضة للإفراط في تناوله، ويؤدي هذا بدوره إلى بقاء الطعام في المعدة لفترة أطول، وبالتالي تتعرّض بطانة المعدة لمزيد من حمض المعدة.

6 – نطالب الطفل بأن يأكل ببطء، ويمضغ بعناية، لحمايته من الاختناق، لكننا لا نفعل ذلك مع أنفسنا، عندما نكبر، فمن الحصافة عدم تعريض أنفسنا لخطر الاختناق بسبب الأكل السريع. علينا السعي بقوة وجدية للتخلّص من عادة الأكل السريع، وذلك من خلال اتباع الأمور التالية:

1 – تخصيص وقت كافٍ لتناول وجباتنا الرئيسية، مثلاً تخصيص 20 دقيقة، على الأقل، للوجبة. وهذا سيدفعنا لتناول كميات طعام أقل، خاصة مع المضغ بطريقة جيدة، وهذا سيسهل على الدماغ إرسال إشارات بالامتلاء.

2 – أن نأكل بـ«حب»، ونأخذ وقتاً في ملاحظة رائحة ونكهة الطعام والملمس والخصائص الحسية الأخرى، ثم نقرر تناوله بسرعة أقل.

3 – جعل القضمات أو اللقيمات صغيرة، فهذا يسهل هضم الطعام، ويزيد من امتصاص الدم للعناصر الغذائية.

4 – تجنّب الاحتفاظ بالملعقة أو الشوكة في اليد طوال الوقت، بل أن نتدرب على وضعها جانباً، بين اللقمة والأخرى.

5 – الدردشة بين اللقيمات، وتبادل الأحاديث، واحدة من أكثر الطرق الممتعة لتمديد الوجبة.

صحتين.


أحمد الصراف