القس دانيال وشعب البيراها
أرسلت إحدى الكنائس الاميركية في عام 1980 القس «دانيال ايفيريت daniel everett»، لقبائل «البيراها» piraha في ادغال الامازون في البرازيل ليتعلم لغتهم ويدعوهم للمسيحية. قضى دانيال سنوات عديدة واسرته معهم وتعلم ثقافتهم وأتقن لغتهم، وبعد ثلاثين عاما تقريبا وضع كتاب «don't sleep, there are snakes» الذي يحكي فيه تجربته المثيرة.
يقول دانيال انه تعرض في يومه الأول لسخرية أبناء القبيلة بسبب كمية المواد والملابس التي احضرها معه، والتي تبين مع الوقت عدم حاجته اليها. وقال انه طوال وجوده بينهم لم ينس ابدا انه هناك لترجمة الكتاب المقدس للغتهم المحكية، بعد تحويلها للغة مكتوبة. وانه كان في وقت فراغه يبادلهم الحديث عن معتقده. وفي احد الأيام اكتشف ان البيراها لا يعرفون معنى الإله وان لا اسم له في لغتهم او حتى ما يعطي معناه، وبالتالي اضطر لخلق تسمية «الأب في الأعلى» ليسهل عليه الحديث معهم عنه. وقال لهم ان إيمانه بالمسيحية جعل لحياته معنى افضل. وعندما سأله كبيرهم عما يفعله «الأب في الأعلى»، قال له انه يصنع النجوم والأرض! وعندما سألهم من صنع نهرهم الكبير، قالوا انه وجد هناك ولم يوجده احد. وعندما سألهم من أين جاؤوا، تبين له انه ليس لديهم فهم لوجود خالق ولا إيمان بقصص تراثية ولا يتحدثون عن الماضي البعيد ولا المستقبل غير المنظور، ولا توجد لديهم تصورات خيالية، بل يعيشون الحاضر فقط، فهو المهم لديهم. وفي إحدى الليالي قص عليهم حادثة انتحار امه بالتبني فضحكوا من القصة وسخروا منها لانها انهت حياتها، فليس لديهم ما يدعو لأن يقتل الإنسان نفسه، وعندما تكلم معهم عن المسيح سألوه عن لون بشرته، وعما اذا كان ابيض بلونه ام اسمر مثلهم، فقال انه لا يعرف الاجابة، فهو لم يسبق له ان التقى به، ولكن لديه كلماته، وهنا سألوه كيف يمكنه الاعتقاد بقوة كلمات شخص لم يسبق له ان التقى به؟.. وهنا فقدوا الاهتمام تماما بسماع المزيد منه عن حياة المسيح وتضحياته، فهم يؤمنون فقط بما يرونه ويلمسونه أمامهم، ومثّل هذا الاكتشاف صدمة له دفعته للتفكير في جدوى مهمته التبشيرية، وفائدة وجوده بينهم، وفقد آخر امل يوم جاءه «كوا أوي» وقال له: نحن نعلم انك تركت وطنك وبيتك لتخبرنا عن المسيح، ولكننا لا نريد ان نكون اميركيين مثلكم، فنحن نحب الشراب ولا نحب الارتباط بامرأة واحدة ولكننا نحبك انت ولا نرغب في سماع شيء عن المسيح. فقال لهم: ان لم تريدوا المسيح فأنتم لا تريدونني، فوجودي بينكم هو لمساعدتكم في الاختيار بين الفرح والتعاسة، وبين الإيمان وعدمه، وبين الجنة والنار، ولكنهم لم يفهموا ولم يقتنعوا.
ويقول القس دانيال انه تكلم بعدها مع زوجته «كارين» في الامر وقررا العودة لاميركا، وهناك فكر كثيرا في مهمته، وكيف انه أُرسل ليقنع شعبا يعيش بسعادة ورضا تامين مكتفيا بما لديه من ماديات بسيطة، ليقنعه بأنه ضائع وتعيس، وأنه بحاجة الى من ينقذه، ولكنه وجده ليس بحاجة الى من يرشده او الى من يمد له يد المساعدة ويدله على الطريق الصواب. وكان رفض البيراها للإنجيل الدافع الرئيسي للقس دانيال للشك في معتقداته، ولترك الكنيسة بعدها وانهيار حياته الزوجية نتيجة لذلك.
تضمن الكتاب تفاصيل كثيرة عن تجربته المثيرة وكيف انه ترك المدنية في نهاية الامر وعاد للعيش بين قبائل البيراها وكيف اصبح احفاده يقومون بزيارته بين الفترة والاخرى.