غليون المهاجر
في ندوة بعنوان «التحولات المجتمعية وجدلية الثقافة والقيم» وردت الفقرات التالية على لسان الباحث الفرنسي برهان غليون: إن المشكلة الرئيسية التي تمنعنا من تجاوز أزماتنا تكمن في أن قادة الرأي صاروا أساسا من رجال الدين، وهؤلاء ليس لديهم معرفة حقيقية لا بالمجتمعات ولا بالسياسة، يعني لو نفتح القنوات التلفزيونية لوجدنا رجال الدين مسيطرين عليها، وعلى كل شيء آخر. وليس صحيحا أنهم أقلية. واليوم رجال الفكر ليس لديهم دور. وسلطة رجال الدين المستبدين بالرأي العام العربي الذي أصبح رهينة بيدهم، هي الأعلى، وهؤلاء من كل الأنواع والأطراف، وهناك تحالف موضوعي مصلحي بين الديكتاتوريات السياسية وبين ديكتاتوريات السلطة الدينية، وفي كل الفرق، والذين يقومون بالمستحيل لاستبعاد أصحاب الرأي الآخر، سواء من مفكرين أو مثقفين، عن طريق اتهامهم بالعلمانية والحداثة والتحرر.
وفي شريط مسجل آخر متوافر على «اليوتيوب» وردت القصة التالية على لسان رجل الدين الشيعي السيد عبدالحميد المهاجر، المعروف على نطاق واسع في الكويت والعراق ولبنان، وكان ذلك أمام جمع غفير من محبي الاستماع إليه: يقول السيد المهاجر: رأيت أحد الهنود من السيك (يقصد السيخ) يأتي إلى «حجي كاظم» البغدادي صاحب الحسينية، وكان يدير ميناء «الفاو»، مال السفن واللنجات، والقصة صارت أمامي وأقسم بذلك، وكلما أتذكرها أهتز والله من قلبي. جاء هذا السيك للحجي كاظم، ودخل وسلم عليه ووقف عند الباب، فسلمه الحجي كيسا مملوءا بالترب (جمع تربة، وهي التي يضع المصلي الشيعي جبهته عليها في السجود، وهي من تراب كربلاء)، فقلت له: يا حجي أنت أعطيته ترب الحسين؟ قال: هؤلاء عندهم سفن تضرب في اقاصي البحار فتضربهم الأمواج العاتية ويشرفون على الغرق، وعندهم شيء مجرب، وهو انهم يأخذون تربة الحسين ويرمونها في البحر، فيهدأ ويختفي الموج!
وفي حديث انتشر في الأيام الأخيرة على الإنترنت وُصف آية الله السيستاني بأوصاف عنصرية وقبيحة ومكفرة لم يتوقع الكثيرون سماعها ممن نُسبت إليه، ونحن لسنا من هؤلاء، فقد سبق أن كتبنا عن هذا الرجل أكثر من مرة. والغريب أن السيد السيستاني بالذات هو واحد من أكثر رجال الدين احتراما لنفسه ولمكانته الدينية والسياسية، غير محب للظهور، وكان له دور كبير في تهدئة كل الأطراف في العراق، وبالتالي وصفه بالزنديق والمنحرف والكافر ما كان يليق.
***
محزن جدا أن يكون قادة الرأي الذين يتحكمون بعقول مئات الآلاف، ويمتلكون أفئدة أضعافهم ويشكلون رأي من يستمع إليهم، أن يكونوا من هذه النوعية المتواضعة الفهم، الذين يقتاتون من نشر الجهل والفرقة بين أبناء المجتمع الواحد لأغراض وضيعة في أنفسهم، فمتى نعرف حقيقة هؤلاء، ونمتنع عن الاستماع إليهم، ألا تستحق هذه الأمة رجال دين أفضل من هؤلاء؟ ربما لا هو الجواب..!