عقليات الدعاة والمبشرين

من الظواهر الغريبة التي لا تصعب ملاحظتها أن غالبية المتشددين من الدعاة والمبشرين الدينيين، من مسلمين ومسيحيين، المعنيين أكثر من غيرهم بــ«هداية وتبشير» غير المنتمين لديانتيهم، جهلهم بالكثير من حقائق الحياة التي لو علموا بها لكانت البشرية في حال أفضل، ولكان السلام أعم وأشمل. ومن هذه الحقائق أن سكان الكرة الأرضية، الذين وصل عددهم لأكثر من 6.8 مليارات، يتبعون عشرات آلاف الأديان والمذاهب واللغات والثقافات، وهم غالبا راضون بايمانهم ومعتقداتهم سعداء بعاداتهم وتقاليدهم. وربما لا يعلم غالبية هؤلاء الدعاة أن الأرض مثلا تزيد مساحتها على 510 ملايين كيلومتر مربع، منها 18 ألفا للكويت، وأنها تبعد عن الشمس، في أقصى نقطة، أكثر من 152 مليون كيلومتر، وأن الأرض وجدت قبل 4.54 مليارات سنة، وظهرت الحياة عليها بعد مليار عام، ومن المتوقع أن تنتهي الحياة على الكرة الأرضية، بتأثير من الشمس، خلال 1.5 مليار سنة، وأن سنة الأرض تبلغ بالضبط 365.256366 يوما. وأن في الصين مليارا و300 مليون نسمة، غالبيتهم العظمى على غير استعداد لتغيير قشة في نمط حياتهم، دع عنك تغيير معتقداتهم، فهكذا كانوا لستة آلاف سنة، وهكذا سيبقون رضي الدعاة والمبشرون أم رفضوا. كما أن تفاوت أطوال الليل والنهار وتفاوت درجات حرارة الأرض التي تبلغ في أدنى درجاتها 98 بالناقص وترتفع لما فوق 57 مئوية بقليل تجعل من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، أن نسيّر البشر على نمط ونظام واحد، مهما اعتقدنا بصحته. وما زال بين هؤلاء الدعاة من لا يود أن يصدق أن الأرض تدور حول الشمس وحول نفسها، وليس كما ورد في بعض الكتب الدينية من أن الأرض ثابتة وبغير ذلك سيختلط على المسلمين مثلا اتجاه الكعبة خلال اليوم الواحد عدة مرات! كما لا يعلم هؤلاء المبشرون والدعاة، الذين يستميتون لهداية بقية أهل الكرة الأرضية، بأن من المستحيل فعل ذلك، حتى لو أحببنا، وأن عدد المسلمين الحالي الذي يقل قليلا عن عدد المسيحيين لا يعني الا أن السباق على كسب المزيد من الأتباع والمهتدين لن يعني شيئا في نهاية الأمر، خاصة أن كم البسطاء والمسحوقين من البشر الذي يكسبه كل طرف الى جانبه في كل عام لن يغنيهم عن شيء ان كان لضآلة الأعداد أو تواضع المستوى العلمي والمالي والثقافي للمهتدين الجدد، وأن من الأفضل بكثير صرف كل هذا الجهد والمال على رفع مستوى المسلمين والمسيحيين ليكونوا أكثر محبة وتقاربا بعضهم لبعض، بدلا من كسب أناس جدد لكل دين، فالعالم سيكون حتما في حال أحسن لو تركنا بعضنا بعضا نعيش مع معتقداتنا ولا نسفه ونحتقر ونسخر من معتقدات الآخر! ولكن كيف يمكن اقناع تجار الدين ورجاله بمثل هذا الكلام الواضح والبسيط، وأن ليس بامكان أحد اقناع الطرف، أو الأطراف الأخرى، بأنه يمتلك الحق الأوحد والصحيح. ولو تمعنا في نتيجة عشرات مؤتمرات التقارب المسيحي والاسلامي، دع عنك بقية الديانات الأخرى، لوجدنا أن النتيجة كانت دائما صفرا. فاذا كانت هذه نتيجة عشرات اجتماعات المتعلمين والمثقفين، فما الذي سيكون عليه الوضع لو تولى الأمر السفهاء وأنصاف المتعلمين منا ومنهم، وهم ليسوا ببعيدين عن بلوغ هذا الهدف..؟!

الارشيف

Back to Top