براك والمناهج
قبضت السعودية على 44 مواطنا بتهمة القيام بأعمال إرهابية والتخطيط لها والتحريض عليها. وتبين أن 30 منهم يحملون تخصصات علمية عالية تصل الى الدكتوراه! لم يحرك الخبر شعرة في أي من واضعي المناهج والمشرفين عليها في مدارسنا وجامعاتنا، وكأن هؤلاء «المتهمين» اكتسبوا فكرهم التكفيري من مدارس بلجيكا وتكيات صحارى فنلندا ومدارس حفظ القرآن في آيسلندا! وفي هذا الصدد يقول كاتب سعودي مستنير، قريب عائليا من مراكز اتخاذ القرار الديني في السعودية: إن عملية الاستحواذ على عقل ووجدان الإنسان المتطرف تبدأ من الصغر وتكرس من خلال التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، ليصبح التعليم الجامعي مجرد تخصص يمر به المتطرف ليكون مؤهلا عمليا لخدمة أيديولوجيا التطرف وليس لخدمة تخصصه الدراسي والتفوق فيه، وأن تأثير هذه المرحلة عليه لا يكاد يذكر. ويتساءل الكاتب: «.. ولا أدري إلى متى سيظل مشايخنا وفقهاؤنا يمسكون العصا من الوسط، يشجبون النتائج وينددون بالإرهاب ويتهربون من إدانة المحاضن الثقافية التي تتولى تنشئة هؤلاء الإرهابيين منذ نعومة أظفارهم...»!.
ومن هنا نرى أن الحل الوحيد لمحاربة الإرهاب بصورة علمية لا يمكن أن يتم خارج الفصول الدراسية، مما يعني أن العبء يقع على المنهج والمدرس، وهما في تخلف تام، ولكن الأمر لا يخلو من وجود عناصر وطنية طيبة. ويجب بالتالي ملاحقة الوضع قبل أن ينهار تماما، كما حدث في أفغانستان في مرحلة نشوء حركة طالبان التي خرجت من رحم 150 ألف مدرسة باكستانية لتحفيظ القرآن، ولا تزال أفغانستان وباكستان تدفعان ثمن مخرجاتها غاليا منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.
ولو نظرنا الى مناهج مدارس الكويت، وقمنا بمقارنتها بما كانت عليه قبل 30 عاما لهالنا ما أصابها من خراب شامل، والذي تم تحت سمع وبصر السلطة الممثلة بالحكومة، ولا يمكن إعادة الأمور الى ما كانت عليه بغير دعمها، وهذا رد على كل من يعتقد بأن المشكلة هي في مجلس الأمة وليست في الحكومة، فقبل 30 عاما لم يكن عندنا بورمية ولا هايف ولا غيرهما من المتطرفين الذين أنتجتهم مصانع المدارس الحكومية.
ولو نظرنا الى عينة من الكتب المدرسية التي سبق ان تطرقنا للبعض منها في مقالات سابقة، والتي قمنا بنقلها من مدونة الشاب المبدع براك، لوجدنا الكوارث التالية:
في باب التغيرات العصرية التي تتعارض مع الإسلام، من كتاب الدين الإسلامي للسنة 11 ورد أن محاكاة المسلمين لغيرهم واختلاط الرجال بالنساء ورقص الفتيان مع الفتيات وتناول الطعام باليد اليسرى وإطالة بعض الأظافر كلها أمور محرمة! وهذا يعني أن منهج وزارة التربية الكويتية يعلّم طلبتنا أن ما يحدث من اختلاط في مئات أماكن العمل في الحكومة وغيرها، وحتى في مجلس الأمة، هو أمر محرم ويتعارض مع الإسلام، فكيف يستقيم ذلك؟ وكيف ترضى وزيرة التربية بوجود مثل هذه النصوص التي تحرّ.م حتى وجودها هي بين الرجال؟ وما الذي سترد به لو سألها أحد الطلبة، أثناء جولة مدرسية، أن وجودها بين الرجال محرم، من واقع مناهج وزارتها؟ فهل يختلف اثنان على أن هذه النصوص المستهجنة هي بداية الحث على الإرهاب؟
وفي الجزئية المتعلقة بالتغيرات الدخيلة على المجتمع الكويتي، من الكتاب نفسه، نجد أن نزول المرأة للعمل محرم لأنه يؤدي الى فقدان الأبناء الرعاية. كما أن خروج الكويتيين للسياحة في الخارج محرم! ومحرم ما نشاهده من زوال سلطة الوالدين على أبنائهما وطغيان آراء الأبناء. ومن الأمور التي تستهجنها كتب الدين المدرسية تعدد المدارس الخاصة ذات المنهج الأجنبي التي تسببت، حسب المنهج، في تعدد ثقافات المجتمع الكويتي.
وفي باب الوطنية أو المواطنة في الإسلام ترد النصوص التالية في كتاب الدين الإسلامي للصف 12 صفحة 92 الدرس الرابع عشر: الإسلام لا يرفض الوطنية بل يؤيدها! ولكن ما إن تكمل القراءة حتى تجد أن المواطنة التي يقصدها الكتاب هي أن يكون حب الوطن على اعتبار انه جزء من بلاد المسلمين، وهذا يعني أن لا مواطنة لغير المسلمين! فليس من حق هؤلاء الإحساس بالوطنية، وليذهب مسيحيو الكويت وأقباط مصر ويهود البحرين للجحيم! وهذا ببساطة لا يتعارض ونصوص الدستور الكويتي في حرية الاعتقاد فقط، وبل وحقوق الإنسان، الذي يذكر المدون البراك أن منهج الدين يدرَّس بالموازاة مع منهج «الدستور وحقوق الإنسان»، وهنا المفارقة المحزنة والمبكية.
المأساة عميقة والفكر متخلف والوضع سيئ.. ولكن لا تزال هناك بارقة أمل في الهارموني هاوس في السالمية