أنا أحب وآسف
سمعت الفتاة طرقا على الباب، فلما فتحته رأت ثلاثة رجال كبار في السن بلحى كثيفة يطلبون مقابلة صاحب البيت، فسألتهم عن طلبهم فقالوا انهم لن يفصحوا عنه الا بوجوده، وهنا وصلت والدتها وعندما اطمأنت إليهم طلبت منهم الدخول وانتظار الاب في الداخل وتناول شيء ما، ولكنهم فضلوا البقاء في الخارج بانتظار الاب الذي لم تطل غيبته كثيرا، وما ان وصل سألهم عن طلبهم ودعاهم للدخول فاعتذروا وقالوا ان واحدا منهم فقط سيدخل البيت ويبقى وعليه ان يختار بينهم، وقال اولهم انا اسمي «ثروة» وهذا اسمه «حب» وصاحبنا الثالث اسمه «صحة» فعليك اختيار احدنا ليدخل البيت ويبقى عندكم.
سارع الرجل وطلب من «ثروة» الدخول، فقفزت الام العليلة وطلبت من «صحة» الدخول فحدثت مشادة بينهما بين من يختارا، الامر الذي استدعى تدخل ابنتهما التي طلبت من «الحب» الدخول، وهكذا كان، ما ان دلف الحب للبيت وجلس على احد مقاعده حتى تبعه «ثروة وصحة» فحيثما يوجد حب يوجد ثراء كبير وتوجد الصحة!
* * *
ارسل لي القارئ عقيل رسالة الكترونية تعليقا على المقال الذي كتبته عن التبرع لمبرة «رقية القطامي لامراض السرطان» قال فيها انه سبق وتبرع لجهات خيرية عدة بالمال. ولكن ايا منهما، دينية أو غير ذلك، لم تكلف نفسها الاتصال به وشكره، سواء عن طريق مكالمة او رسالة هاتفية أو حتى بطاقة بريدية تشكره على تبرعه! وقال انه عندما تبرع لم يكن يقصد سماع الشكر بقدر اهتمامه بالتبرع لمشروع خيري صحيح، ولكن للشكر اثره وللتقدير مفعوله السحري في النفس، وانه من واقع تجربته الشخصية لدى مجتمعات اخرى، وليس بالضرورة في الدول الغربية، لمس اهتمام تلك الجهات بمثل هذه الامور، التي قد نعتبرها شكلية، فالمدح أو الشكر، والعلني منه بالذات، يسر المتبرع من جهة، ويحثه ويشجعه على التبرع اكثر مستقبلا، كما يشجع الآخرين على البذل والعطاء. وبهذه المناسبة اتذكر ان المرحوم عبدالرحمن عبدالمغني (ابو مغني) كنا تحدثنا واياه مرة في جلسة خاصة عن قصة تبرعه لبناء مستشفى في منطقة محددة بالبحرين، حيث سبق ان توفي ابنه في حادث سير مروع، وما ان سمع احد الحضور بموضوع تبرعه حتى عرض الآخر مساهمة في تجهيز المستشفى بكل متطلباته من المعدات والمواد الطبية، وهذا ما حصل، حسبما اتذكر، فقد مرت فترة طويلة على الحادثة! ما قصدته هنا ان الكرم امر معد، كما هو الحال مع اي شيء جميل، فالفرح معد والضحكة معدية. وقال عقيل ان جمعية الهلال الاحمر ربما تكون احدى الجهات التي لا تعطي اهمية كبيرة لموضوع شكر المتبرعين! وهنا اتمنى من المشرفين على الجمعية وجميعهم من الافاضل والمتطوعين الى العمل دون مقابل في الجمعية الالتفات لشكوى القارئ عقيل، ولو ان تجربتي الشخصية مع الجمعية تقول عكس ذلك، وانه مطلوب منها اعلام المتبرعين بوصول تبرعاتهم، واتمنىان يكون في الامر خطأ اداري بسيط.
وتصديقا لرواية القارىء عقيل، بشكل عام، فإنني اتذكر جيدا أنني تبرعت لاول وآخر مرة بمبلغ كبير لاحد مرشحي تجمع سياسي معروف، وما ازال، ومنذ 15 عاما بانتظار ورود كلمة شفهية او رسالة شكر منه، او من حزبه السياسي، في حياته وبعد وفاته.
وربما من الخطأ لوم شخص أو جهة ما على عدم الشكر، فالمسألة تتعلق بثقافة مجتمع ككل، فنحن في جانب نجد صعوبة كبيرة في الاقرار بالخطأ في الوقت المناسب، وفي جانب آخر نستصعب او ننسى تقديم الشكر عندما يتطلب الامر ذلك، وتبدو الغلظة في تصرفاتنا عندما نطلب مثلا من شخص التوقف لنسأله عن امر فلا اعتذار ولا اسف بل نطلب طلبنا ونمضي في حال سبيلنا حتى دون شكر، وقد حدث هذا الامر معي كثيرا، وكنت اقف دائما مشدوها من مثل هذه التصرفات الجافة!
ومن الامور الصعبة علينا كذلك، عودة لقصتنا في بداية المقال، ان نقول «انا احبك» عندما يكون الموقف يتطلب قول ذلك، اما تقدير مواقف الآخرين تجاهنا بطريقة فعالة فحدث ولا حرج، فقلة مثلا ترسل رسالة شكر على معروف أو باقة زهور على صنيع جميل، خصوصا بعد ان اصدر احد مشايخ السعودية فتوى تحرم اهداء الزهور.