القيم والدستور
اتصل بي طالب نقابي في كلية مهنية عالية الأهمية، وطلب مني مساعدة «جمعيته الطلابية» في الحصول على دعم مادي لحملتهم الانتخابية، وأنهم ينتمون الى تجمع مضاد للتجمعات التابعة لأحزاب السلف والإخوان، وإن قائمتهم غير طائفية ولا قبلية، ومساعدتنا ستسهم في احتفاظهم باستقلاليتهم.
رحبت بالفكرة وقمت بالاتصال بعدد ممن توسمت فيهم الخير من أصحاب الوكالات التجارية التي تتعلق أنشطتهم بنشاط طلبة تلك الكلية، وطلبت منهم الاتصال مباشرة بطلبة اللائحة الانتخابية في حال رغبتهم في المساهمة بأي دفعات نقدية أو إعلانات، ونويت شخصيا المساهمة في دعم حملتهم.
بتصفحي ل «دستور القائمة» الطلابية وقع نظري على المادة الأولى منه والتي تقول: «القيم الإسلامية هي الدعامة الأساسية التي يقوم عليها بنيان قائمتنا، وهي ما نستند اليه كأساس متين وأرض صلبة ومصدر رئيسي لا يهتز لاتخاذ القرار»!.. أما المادة الثانية من الدستور فتقول: «الـتأكيد على التمسك بدستور الدولة والإلزام بصيانته» (ربما وقع هنا خطأ مطبعي!).
وقد قمت بمراجعة النظم الأساسية والقواعد واللوائح التنظيمية لخمس نقابات وجمعيات أسست في ستينات وسبعينات القرن الماضي، فلم أجد في أي منها ما يفيد أن القيم الإسلامية هي الدعامة الأساسية التي يقوم عليها بنيان أي تجمع أو نقابة! كما لم ينص في أي منها على الاستناد الى القيم الإسلامية كأساس متين واعتبارها «أرضا صلبة ومصدرا رئيسيا لا يهتز لاتخاذ القرار»(!)
نقول هذا ليس من منطق رفض لأي من هذه القيم الدينية، أيا كانت، بل لأن من المفترض أن هذا المجتمع آمن بها، عندما لم تكن توجد على الأرض سياسة ونقابة ومجلس أمة وانتخابات، ومارس تلك القيم بسلاسة ومن دون تعقيد، ومن دون اهتزازات أو أرضيات صلبة، أو رخوة وغير ذلك من تعبيرات لا معنى لها. وان قبول طلبة كلية مهنية عالية القيمة والأهمية ـ لمثل هذه الجمل غير محددة المعنى، أو التي يمكن أن تحتمل معاني متضادة، ومصدر خلاف كبير بين أطرافه ـ يعني أن المجتمع برمته قد تمت أدلجته دينيا بشكل أصبح فيها إقحام مثل هذه النصوص المبهمة أمرا عاديا، لا بل ومرحبا به بشكل كبير، كما أنه يدل على أن خطر «الدروشة» أصبح مسيطرا على أعز معاقل العقلانية والعلمانية، ككليات الهندسة والطب، وخلق بين طلبتها ـ ولأي جماعة أو طائفة أو تجمع انتموا ـ بؤرا دينية تتنافس فيها القوائم على مرتكزات دينية شديدة الإبهام، وسيؤدي الى تمسك كل طرف بها إلى فرضها على البقية، ولو قسرا.
وهذا بحد ذاته كافٍ لاستمرار الصراع بينها.. ربما إلى الأبد وتجذره أكثر وأكثر!
***
ملاحظة: أعلمنا الصديق والفلكي المعروف عادل السعدون، قبل أسبوعين، بالمعلومة التالية، التي لم يتسنّ لنا نشرها بسبب السفر، ورغبتنا في البعد عن القيل والقال وكتابة المقال:
«في ليلة 20/10/1940 عبرت سماء الكويت عدة طائرات إيطالية وألقت قنابلها على منشآت أرامكو في الظهران، وبعض القنابل على البحرين، وكانت الخسائر طفيفة، وتم إجلاء زوجات الأميركيين وأطفالهم وإعادتهم الى الولايات المتحدة»!
وهذا أبلغ توضيح على مقالينا عن سر مشروع «طائرة الخليج الفارسي المقاتلة»!