هل سيقف العالم معنا ثانية؟
نشرت مجلة تايم الأميركية الشهيرة مقالا، في 24 ديسمبر 1990، في ذروة معاناة الكويت وشعبها من الاحتلال الصدامي، ورد فيه أن قلة كانت تعرف شيئا ما عن الكويت، لولا التعهد الذي صدر وقتها عن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، بضرورة تحريرها من احتلال صدام! وإن الكويت اشتهرت بغطرسة وتكبر شعبها وحكوماتها، وأنها كانت دولة غير ديموقراطية، وقت وقوع العدوان عليها. ولم يكن أحد ليهتم بأمرها ومعاناتها من الاحتلال، بسبب ضآلة حجمها ومثالب حكوماتها، لولا ثروتها النفطية الكامنة تحت رمال صحرائها!.. ولكن هل هذه هي الحقيقة؟ وهل ستتغير الكويت إلى شيء أفضل بعد تحريرها؟ تجيب المجلة بالقول إن الكويتيين يميلون إلى الإيمان بأن الأوضاع في الكويت ستتغير حتما إلى الأفضل بعد التحرير، وهذا أيضا ما تتمناه أغلبية نصف المليون جندي، الذين قدموا من بلدانهم لتحريرها من حكم صدام. ولكن مع قيام هذا الأخير بإطلاق سراح رهائنه من مواطني الدول الأوروبية وأميركا، فإن العالم اصبح يتساءل: هل من المجدي حقا موت أي جندي في سبيل تحرير الكويت؟
* * *
ومع اقتراب الذكرى السنوية للاحتلال والتحرير فإننا، وبعد عشرين عاما، نعيد طرح السؤال نفسه مع تغيير الصيغة للحاضر ونقول: هل استحق تحرير الكويت حقا كل ما بذل في سبيله من أرواح ودماء ومصابين وثروات طائلة؟
لاشك في أن الأغلبية الساحقة من شعوب الأمم الحرة تؤمن بأن الأمر كان يستحق حقا كل تلك التضحيات والتكاليف البشرية والمادية الهائلة، ولكن هل «العالم الحر» على استعداد للوقوف معنا مرة أخرى، ان تعرضت مصالحنا وأمننا الحيوي للخطر؟ لاشك في ان الإجابة ستكون نعم كبيرة أخرى، ولكنها ستكون مشروطة هذه المرة باستمرار بقاء الحياة الديموقراطية في الكويت من دون انقطاع! فقيادات دول العالم ستفكر كثيرا قبل ان تتدخل لتخليص أمة ما من حكم دكتاتوري لتسلمها إلى حكم يشبهه، ولو كان منه وفيه. وبالتالي يصبح المقياس الديموقراطي، وحكم الشعب لنفسه، من خلال حكومة دستورية، هو المحك الذي يمكن من خلاله الإجابة عن مدى أحقيتنا بما بذله العالم الحر من أرواح وأموال في سبيل تحريرنا، وما سيكرر فعله، حال تعرضنا لأي خطر خارجي.
نكتب ذلك على ضوء كل ذلك الضجيج الذي أثاره، وسيثيره مستقبلا، بعض أعضاء البرلمان في العراق وسياسييه وصحافته عن الكويت، واستقلالها وحدودها وكرامتها، وضرورة قيامها بإسقاط مطالباتها على العراق، وإعادة النظر فيما تم توقيعه من اتفاقيات حدود وأمن معها. فهذه التصريحات وما يماثلها، أو يزيد عليها تطرفا، الآن أو مستقبلا، لن تعني شيئا طالما بقي الدستور الحصن الذي يستظل به الجميع، والذي يعني أن العالم الحر سيقف معنا مهما كانت درجة المخاطر والضغوط التي قد نتعرض لها. ومن المجدي هنا تخيل وضعنا النفسي والمالي والاقتصادي والسياسي في هذه الأيام بالذات، لو كانت الكويت تعيش في ظل حكم غير ديموقراطي ومن دون برلمان! فمن الذي كان سيقف معنا ماديا وماليا وعسكريا؟ لا أحد بالطبع. ومن هنا نعتقد أن الضمان الوحيد لبقائنا مستقلين وكرماء في وطننا يكمن في بقاء ديموقراطيتنا من دون مس!
* * *
• ملاحظة: تصريح السيد محمد المهري، مع حفظ بقية ألقابه، عن مواقف بعض سياسيي العراق من الكويت، بأنه «يضمن شخصيا»، وطنية الحكومة العراقية الحالية، وحسن نواياها، وعدم عدوانيتها تجاه الكويت، ذكرني برد كابتن طائرة مدنية مملوءة بالركاب، عندما طلب منه مسؤول برج المراقبة عدم الهبوط بسبب سوء الأحوال الجوية، فرد عليه قائلا: «ما تئلأش، أنا حنزل على مسؤوليتي الشخصية»!