مظلومية الشيعة

لدى شيعة العالم شعور بأنهم مظلومون، وأن حقوقهم تم التعدي عليها عبر التاريخ، إن لقلة عددهم، أو لأنهم على حق!
بعد معرفة أسماء أعضاء الوزارة، وظهور اختيارات مكتب المجلس، كتب محام معروف منددا بما أصاب الشيعة من خسائر سياسية، واعتبر الأمر بمنزلة صفعة من السلطة لهم، وأنها أرسلت اقوى رسالة سلبية منذ مجلس 1938برفضها توزير فاضل صفر، أو التصويت لمصلحة النائب عدنان عبدالصمد! وخاض السيد المحامي في تفسيرات وتحليلات شتى عن سبب تصرف السلطة، وقال انها تميل الى من «يعارضها» وليس الى من يقف معها. كما تعجب من تشرذم الشيعة، وعجزهم عن فرض شروطهم على السلطة، قبل الوقوف معها، في ما يتعلق بعدد الوزراء والوكلاء ونوعيتهم وتوظيف الشيعة في مناصب ووظائف طالما حرموا منها، الى غير ذلك من مطالب، ولكن لم يحدث شيء من هذا لأن بعض قيادات الشيعة، حسب قوله، جبناء ولا يهتمون الا بمصالحهم!
الحقيقة أن الصواب قد جانب السيد المحامي، كما تضمنت رسالته تحريضا طائفيا بغيضا ما كان يجب ان يقع فيه، وهو القانوني، والمرشح السابق! فالشيعة، مثلهم مثل غيرهم من مكونات المجتمع، ليسوا كتلة صماء موحدة لكي يتم الحديث عنهم بهذا الشكل، وكأنهم وحدة واحدة ولهم قيادة موحدة، بل متفرقون وينتمون لأكثر من جهة ولهم مصالح انتخابية وحسابات سياسية، وهذا هو الأمر الطبيعي! أما لومه لـ«قادة الشيعة» بتقصيرهم في التفاوض مع الحكومة ومساومتها على عدد الوزراء الشيعة وبقية المزايا، فهو تحريض سقيم، فمن الذي يحدد من له حق التحدث باسم كتلة سكانية متنوعة؟ هل ممثلوهم في البرلمان، وهؤلاء متفرقون أصلا لأكثر من انتماء سياسي ومرجعية دينية وفكرية ومصلحة تجارية؟ وهل يعني تناقص عددهم في الانتخابات التالية تناقص حصة الشيعة في المناصب والمزايا؟ومن جهة أخرى، لا أعتقد أن غالبية الشيعة شعرت، أو كانت ستشعر، بأن وجود الوزير صفر في الحكومة أفضل لها، طائفيا، ليتم التباكي على عدم توزيره، فقد دخل الرجل الوزارة نظيفا وخرج نظيفا، ولم يتصرف إلا كوزير وليس للدفاع عن مصالح طائفته، على حد علمي، أو هذا ما يفترض منه، فسبق أن عبنا على بعض الوزراء، الذين كدسوا وزارة مجلس الأمة بالمنتمين اليهم، ومن السخف أن نأتي اليوم ونطالب وزيراً ما بأن يفعل الأمر ذاته، فالدولة، بمفهومنا، ليست «كيكة» لكي نتخامطها!
نعود ونقول انه ليس هناك إجماع على من هو «الوزير الشيعي الأمثل»، فمصلحة الوطن أولى بالاهتمام، ومقياس مدى قدرة الوزير على خدمة طائفته يجب ألا يكون أساس الاختيار. كما أن أي سلطة في العالم لا تستطيع إرضاء الجميع، والأمور يجب ألا تقاس من منظور طائفي ضيق، بل بما لدى الوزير أو المسؤول من كفاءة، فأنا يهمني أن يكون من يمثلني شخصا نظيفا وصاحب كفاءة، وليس الذي يمثلني طائفيا او حزبيا، فقد مللنا من الطائفيين والمتدينين والقبليين الذين لم يتركوا شيئا إلا والتهموه، والأمثلة كثيرة حولنا. ولو نظرنا لحذر السلطة من توظيف الشيعة في مناصب محددة لوجدنا أنه بشكل عام غير مبرر، ولكن يجب أن نعترف في الوقت نفسه أن جزءا من حذر السلطة بسبب ان بعض كبار ممثلي الشيعة، الذين لم يخفوا يوما ولاءهم وانتماءهم لأحزاب وايديولوجيات خارجية! كما ان من المهم أن يعرف هؤلاء أن الرهان على خيارات السلطة امر غير مضمون دائما، فهي لا تحتفظ بالمسافة نفسها من الكتل الثلاث المكونة للمجتمع، بل تقوم بتغيير موقفها تبعا لظروف المرحلة، وإن على الشيعة، كما قال النائب السابق حسن جوهر، تجاوز الهاجس النفسي بأنهم يجب أن يكونوا دائما في صف السلطة، وإلا ربما صنفوا بعدم الولاء واللاوطنية! فهم جزء أصيل ومكمل للنسيج الكويتي، ويشتركون مع الجميع في السراء والضراء، وقد يختلفون أو يتفقون مع بعضهم أو مع غيرهم في المواقف السياسية والقضايا العامة، وهذا أمر طبيعي! وقال ان الرقم الصعب لنواب الشيعة اليوم يجب أن يستثمر ليس في طلب منصب هنا أو هناك، فهذه المواقع زائلة بالتأكيد وقد يملأها أي كويتي، إنما في المساهمة بخلق أرضية تشريعية لبناء بلد بمؤسسات ومعايير ومبادئ يستشعر كل مواطن في ظلها أنه جزء من كل، ويتمتع بدرجة متساوية من الحقوق والمكتسبات، وأن ينبري من جهة أخرى لفتح عينيه جيداً على مسلسل الفساد والمليارات السائبة من أموال الكويتيين التي يسيل لها كل لعاب، فهذا هو الحليب الذي يستحق البكاء عليه إن سكب، وليس البكاء على خسارة المناصب والوظائف!

الارشيف

Back to Top