سيناريو الخمسة ملايين مرة
يقف المواطن المسلم، والعربي بالذات، امام قنصلية، او سفارة دولة غربية، ضمن طابور طويل لأيام وأيام، احيانا تحت البرد واخرى تحت الحر والرطوبة والغبار، وتحفى قدمه وتتعطل اعماله ويعطش ويجوع وتبلى احذيته من الذهاب والاياب، وبعد انتظار قد يطول احيانا لسنوات، ان كان سعيد الحظ، يحظى بتأشيرة سفر إلى دولة غربية لا يعود بعدها إلى وطنه! وان لم يحصل على التأشيرة، فإنه غالبا ما سيمتطي ظهر باخرة غير صالحة حتى لنقل الدواب لتمخر به عباب البحر، وغالبا المتوسط، ليلقي به قبطانها على احد شواطئ اوروبا، او يودع داخل حاوية حديدية و«يشحن» إلى مدينة غربية وكأنه كومة قش او شحنة بصل ليصل منهك القوى، بلا حول ولا قوة، هذا ان لم يقض حتفه جوعا وارهاقا داخل صندوق حديدي مقفل على رصيف ميناء مهجور!
الذنب، حتى الآن، ليس ذنب هؤلاء المهاجرين التعساء الباحثين عن لقمة عيش كريمة، او الهاربين من سطوة حاكم جائر او الباحثين عن امل في ثراء سريع، فلا احد يود هجرة اهله وصحبه وخلانه ومسقط رأسه، ان لم يكن مجبرا على ذلك! فالذنب يقع على حكومات أغلبية دولنا التي لم تستطع تأمين العيش الكريم لمجاميع هائلة من مخرجات مختلف مستويات التعليم فيها التي لا تجد عملا، ولا سكنا ولا مستقبلا ولا املا في تكوين اسرة او البقاء على قيد الحياة!
موضوع هذا المقال لا يتعلق بالحكومات، على الرغم من عظم مسؤوليتها، بل بما يتحول إليه ذلك المهاجر، او طالب التأشيرة او المتسلل المسلم إلى أوروبا بعد دخولها واستقراره فيها، والزواج من احدى بناتها وتغطية رأسها بحجاب كثيف، حيث نجده يتحول من ذلك الشخص المسالم والهادئ والذي ربما كان على استعداد لتوقيع تعهد بتنصره او تهوده ان اتيحت له فرصة العيش في دولة اوروبية، نجده يتحول إلى انسان شرس في تعامله مع حكومة وطنه الجديد، كثير المطالب دائم الازعاج، ومشاكس إلى اقصى الحدود متى ما تعلق الامر بمعتقده، وكأن احدا سيسلبه منه ويحرمه من ممارسة طقوسه، وبالتالي نجده يسعى بشراسة إلى المطالبة ببناء دار عبادة او تخصيص مساحة لمقبرة، وغير ذلك من جل اهتمامات المهاجرين الجدد، الذين اصبحوا جزءا من الامراض التي اصبحت المجتمعات الغربية تعاني منها في السنوات الاخيرة، والذين اصبح تواجدهم في التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية اكثر منه في فصول دراسة لغة البلاد التي اختاروها وطنا، بعد ان لفظتهم اوطانهم!