وعّاظ سلاطين المال
بيّن الانهيار المالي والافلاس الأخلاقي الذي طال كثير من المؤسسات المالية التي تتلحف برداء الدين، مدى هشاشة وضعف كياناتها وأجهزتها الرقابية، وانها، على الأقل، لا تقل ضعفا عن غيرها من المؤسسات الأخرى، على الرغم من الهالة والقدسية اللتين طالما حاولت اسباغهما على أعمالها، والوقار الذي كثيرا ما تمسحت به بإعلانها الدائم عن وجود هيئات شرعية تشارك في مراقبة أعمالها، وادعائها بالتسابق على «توظيف أكبر العقول» الفقهية لعضوية لجانها الدينية! وقد بيّن تحقيق مميز نشرته «القبس» في 23/3/2008 (من إعداد رزان عدنان)، الفوضى العارمة التي تعيشها الهيئات الشرعية في عملها بسبب عدم وضوح حدود سلطاتها، وغياب التشريعات التي تحدد أطر عملها، وتحدد مسؤولياتها، فعمل أعضاء هذه اللجان في المصارف والمؤسسات المالية بنظام المكافأة يجعل ولاء هؤلاء أمرا مشكوكا فيه، ولا يدفعهم إلى أي ابتكار بسبب عدم التفرغ.
كما أظهر التحقيق المميز أن هناك تفاوتاً كبيراً بين مكافآت أعضاء هذه اللجان، التي لا يخضع عملها لأي معايير، والتي غالبا ما يتم تحديد مكافآت أعضائها من خلال اسم العضو وشهرته، فظهوره الدائم على التلفزيون مثلا، مع قلة الفهم، تزيد من أجره مقارنة بمن هو أكثر علما واطلاعا منه، ولكنه قليل الشهرة والظهور.
كما أوضح التحقيق، وعززت ذلك تصريحات صحفية لأعضاء سابقين في «لجان شرعية»، أن بعض أعضاء هذه اللجان يصدرون فتاوى بحجم المكافأة الموعودة، فأي إيمان وتقوى هذا الذي يجعل هؤلاء يربطون فتاواهم بقدر ما يدفع لهم؟ كما وجد التحقيق أن نسبة من أعضاء هذه اللجان يمارسون عملهم من دون شهادات معترف بها! وهنا نختلف مع التقرير في ذلك، ففي ظل غياب قانون ينظم ويحدد مؤهلات عضو الهيئة الشرعية، فإن لهذه المؤسسات المالية تعيين من تشاء في لجانها، ولو كان مدرس جغرافيا، أو ضابط شرطة! كما أن هؤلاء الأعضاء غير ملزمين أصلا بالحضور والعمل لساعات محددة، وما عليهم سوى البصم على ما يقره البعض منهم وإعطاء الموافقات على الهاتف!
في ضوء هذه الحقائق الدامغة، التي تبين مدى هشاشة هذه الهيئات، والمصير المخيف الذي ينتظر كثيرا من الشركات المالية والعقارية والتأمينية التكافلية التي تعمل بالنظم المسماة بالإسلامية، فإن الحكومة ملزمة بإصدار تشريع ينظم عملها، أو يلغيها بصورة كاملة، فليس في الفكر الديني شيء يسمى بهيئة رقابة شرعية، ووجودها المكثف في جميع الشركات والمؤسسات المالية لم يمنعها من الوقوع في الخطيئة والخطأ، وخلقها من العدم كان بغرض تنفيع البعض من جهة، وإزالة المسؤولية عن عاتق مجالس إدارات هذه المؤسسات المالية، ووضعها على عاتق من لا مسؤولية عليه!