التفسير السديد.. من بار «ليندا» العتيد*
ورثت ليندا حانة كان يمتلكها زوجها بعد أن مات متأثراً بتليف الكبد!
لزيادة مبيعات البار، قامت الارملة باتباع «سياسة بيع» جديدة تهدف الى تشجيع زبائنها المخلصين، وغالبيتهم من العاطلين عن العمل والمدمنين، على زيادة استهلاكهم بالشراء بالدين مقابل توقيع ايصالات، ووعد بالسداد حال تحسن احوالهم المادية. انتشر خبر تساهل ليندا في البيع فلجأ اليها مدمنون آخرون من المناطق القريبة، واصبحوا زبائن دائمين للبار. وهكذا تضاعفت مبيعات الحانة واشتهرت بجوها المرح واصبحت ليندا من كبار شخصيات البلدة! ولمواجهة الطلب المتزايد على انواع معينة من المشروبات، قامت ليندا برفع اسعار البيرة والواين، (الصنفين الاكثر طلبا)، وأدى ذلك الى ارتفاع كبير في الارباح المحققة وفي اجمالي المبيعات.
لفت نجاح البار نظر مصرفي بارع يعمل في فرع البنك غير البعيد عن الحانة، ورأى فيه فرصة لتحقيق صفقة جيدة لمصرفه، واقترح على مديره تقديم تسهيلات مصرفية اكبر للبار مقابل حزمة الايصالات، او كمبيالات المديونية الموجودة لدى صاحبته، والموقعة من زبائنها، واعتبارها اصولا مستقبلية ذات قيمة. قبلت ادارة البنك اقتراح المدير الشاب، وزادت قيمة القروض الممنوحة لليندا والموقعة من المدمنين والعاطلين عن العمل كضمان عالي القيمة، ونافست بنوك اخرى ذلك البنك في تقديم تسهيلات اضافية لليندا.
وفي الادارة العامة للبنك، وعلى بعد مئات الاميال من بار ليندا، رأى الخبراء الماليون في المصرف ان سندات الضمان المقدمة من ليندا تمثل اداة مالية جيدة، وقاموا بالتالي بتحويلها الى سندات، او bonds، تحت التسميات التالية: «شراب بوندز»، وتحمل نسبة فائدة عالية جدا. «بيير بوندز»، وتحمل نسبة فائدة معتدلة. و«واين بوندز»، وتحمل نسبة فائدة اقل. وقاموا بعرض تلك السندات في السوق المالي المحلي، وسرعان ما انتقلت الى السوق المالي الاكبر، ومن ثم الى العالمي واصبحت المؤسسات الاستثمارية تتخاطفها بسبب نسبة فائدتها المغرية، ولم يحاول احد معرفة حقيقة تلك السندات، او معنى تسمياتها، وكيف تم اعتبارها مضمونة السداد في نهاية الامر، كما لم تشغل مؤسسات الرقابة والمعايير والتصنيفات نفسها بدراسة طبيعة تلك السندات، ونسي الجميع طبيعتها الاصلية، خاصة مع استمرار الطلب عليها بسبب ارتفاع فائدتها. وفي يوم ما فكر مدير ادارة المخاطر في احد المصارف، والذي تعرض للطرد لاحقا، بأن الوقت قد حان لمطالبة زبائن بار ليندا، من المدمنين والعاطلين عن العمل، بسداد جزء مما تراكم عليهم من ديون، وهنا فقط اكتشفت المصارف انه ليس بوسع نسبة كبيرة من الزبائن سداد ما تراكم عليهم من ديون وفوائد عالية. كما ان ليندا لم يكن بمقدورها السداد نيابة عنهم، وبالتالي كانت اول من اعلنوا افلاسهم، وهذا ادى الى انخفاض حاد في قيمة سندات «بيير بوندز» و«واين بوندز» بنسبة 90%، اما سندات «شراب بوند» فقد استقرت قيمتها بعد هبوطها لاقل من 80%. وترتب على افلاس بار ليندا تراكم كميات كبيرة من المشروبات لدى مصانع الانتاج، وهذا ادى الى افلاس البعض منها، واستيلاء مستثمرين على بعضها الآخر بنصف ثمنها. كما خسر جميع العاملين في البار اعمالهم، وسرحت مصانع الكحوليات عشرات آلاف العمال بسبب الانخفاض الكبير في كميات الانتاج.
اما المصارف الكبيرة المدينة لبار ليندا فقد اصبحت معرضة للانهيار. ولكن اجتماعات ماراثونية بين ممثلي الحكومة وكبار ملاك المصارف تمخضت عنها موافقة الحكومة على التدخل لانقاذها من الافلاس. وقد قامت الحكومة بالحصول على الاموال اللازمة لعملية الانقاذ من خلال فرض ضرائب على غير المدمنين وغير العاطلين عن العمل، بسبب ديون المدمنين والعاطلين عن العمل!!