مع شينهم قواة عينهم!
في قصة من التراث أن «جحا» استعار آنية من جاره ثم اعادها إليه بعد ايام ومعها ملعقة، فسأله الجار عنها فقال ان آنيته ولدت ملعقة.
تكررت قصة الاستعارة والولادة مع اكثر من جار فسمع الحي بذلك فأصبحوا يأتون بأوانيهم إلى بيت جحا لتتوالد فيه، وعندما تجمع كم كبير منها في بيته ابقاها مدة طويلة رافضا اعادتها إلى أصحابها، وبعد زيادة الضغط عليه أخبرهم بأنها ماتت!! فتساءلوا باستغراب: وهل تموت الأواني المعدنية؟ فرد قائلا: نعم، إذا صدقتم انها تلد؟
واجهتني قبل سنة مشكلة تعلقت بحاجتي الماسة إلى مساحة تخزينية في الشويخ أو الري، وارتفاع ايجار المعروض منها إلى خمسة دنانير في الشهر للمتر الواحد، وهو مبلغ غير مجد تجاريا بأي مقياس. سمع مقيم هندي بمشكلتي فاقترح عليّ تأجير مخازن في الصليبية، وفي منطقة زرائب الماشية بالذات، وبعشرين في المائة من الايجار الساند في السوق. وقال إن المخازن جيدة ومجهزة بجميع التسهيلات، ولا خوف من التخزين فيها، على الرغم من مخالفتها للقانون، بحجة ان صاحب المزرعة «شيخ»، ولن يجرؤ احد بالتالي على الاقتراب من المنطقة التي تحولت إلى مخازن عامرة!!
راودتني النفس كثيرا في قبول العرض، فالفرق بين الايجارين، بالنسبة للمساحة التي كنت احتاج اليها كان بحدود 180 ألف دينار لسنة واحدة فقط، وهو مبلغ كبير ان كانت الحاجة إلى سنتين، ولكن الحرص الذي تعلمته من اصدقائي «النيادة»، والرغبة في الالتزام بالقانون تغلبا بسرعة على الطمع في تحقيق ارباح كبيرة، وقمت بالتالي بتدبير اموري بشراء مخزن كبير مقابل مبلغ اكبر، ولم اندم قط على قراري ذلك!!
تذكرت قصة جحا ومشكلتي مع التخزين وانا اقرأ تفاصيل مقابلة «القبس» مع مجموعة من التجار، المستأجرين، لمساحات في مزرعة العوالي في منطقة الصليبية: وعن مشكلتهم المتمثلة في قيام صاحب الحيازة الزراعية بهدم المخازن عليهم من دون اعطائهم مهلة كافية، حسب ادعائهم، بعد ان ضغطت لجنة ازالة التعديات على املاك الدولة عليه وهددت بسحب الجاخور او الزريبة منه ان لم يقم بإعادتها إلى وضعها السابق!!
وقد رفض هؤلاء المستأجرون في بداية المقابلة مع القبس الاقرار بارتكابهم أي مخالفات تستحق قيام صاحب المزرعة بإزالة المباني، بحجة أنهم استأجروها منه كأرض فضاء وبموجب عقود «رسمية» وموافقات خطية.. منه!! ولا ادري ما الذي يعنونه بــ«عقود رسمية»!! فعقد الايجار موقع بين طرفي العلاقة، ولا علاقة له بالرسمية اصلا! ثم عاد هؤلاء واقروا بأن مخالفاتهم تمت بعلم وتصريح صاحب الحيازة! وهذا ايضا كلام غير مقبول فصاحب الحيازة صاحب مصلحة، وليس جهة رسمية تمنح وتمنع. وقالوا ان الكويت «دولة قانون ومؤسسات يحترمها الجميع!!» وهذا كلام جميل، ولا علاقة له بالمشكلة اصلا، فلماذا لم يقوموا هم في المقام الأول باحترام المؤسسات والقانون والاستئجار في مناطق مخصصة كزرائب؟ أما مطالبتهم «جمعية حقوق الانسان» بالتدخل، فعجيبة حقا، فهل قاموا قبلها باللجوء إلى القضاء ولم ينالوا مرادهم مثلا؟ وهل يعتقدون أن ساحته ليست المكان المناسب لحل القضية؟ وماذا عن الوفر الذي حققوه في الايجار بين ما دفعه من كان في وضعي وبين ما دفعوه من فتات لصاحب الحيازة الزراعية؟ الا يكفي هذا الفرق لتغطية تكلفة نقل بضائعهم في الوقت المناسب إلى مخزن آخر مخصص للتخزين وليس كزريبة أو مزرعة؟! وكيف صدقوا أن هناك مخازن تؤجر بدينار للمتر، والسعر السائد في السوق هو أكثر من أربعة دنانير، وعندما اقتربت جرافات الإزالة منهم لم يصدقوا أنها ستقوم بهدم مخازنهم على رؤوسهم؟ هل نسوا أن الأواني التي تلد تموت ايضا؟
إن تصرف هؤلاء المستأجرين، ولا يلامون عليه وحدهم، ماهو إلا عينة من دولة التسيب التي عشناها لسنوات، ولانزال نعيشها في قطاعات كثيرة، والتي جعلت من مثلها أمرا مقبولا وربما حان الوقت لكي نكون أكثر عقلانية في تصرفاتنا.
ملاحظة: صرح الشيخ «أحمد الخليفة»، وهو مدير إدارة حساسة في وزارة الداخلية، وله دور نشط ومهم في حمايتنا وأبنائنا من خطر المخدرات، بأن «رجاله» ستناط بهم في عطلة رأس السنة مهمة مراقبة الإسطبلات والمخيمات والشقق المشبوهة ومداهمة أي حفلات صاخبة، وسيتم «إبعاد الأجنبي» المتورط ومعاقبة المواطن!
نتمنى ان يكون كلام الشيخ أحمد للاستهلاك المحلي فقط، وألا أحد تم إبعاده من قبل رجاله! فأي كلام غير ذلك يعني نسف كل ما نقوله ونعتقده ونشعر به من أننا نعيش في دولة عصرية لها حكومة ومجلس نيابي وقضاء وصحافة حرة، وفيها قانون عقوبات يحدد كل جريمة وطريقة عقاب مرتكبها!