ضيف يوسف الجاسم وأنا!

طلب مني الصديق يوسف الجاسم مرافقته لاصطحاب ضيف كبير في زيارة لأهم معالم البلاد الحضارية. بدأنا جولتنا في منطقة الشدادية، التي اختارها يوسف لأهميتها المالية والعلمية حيث إن المصرف الذي يمثله الضيف سبق أن مول المقاول الذي أنهى بناء جامعة الكويت الجديدة الواقعة هناك.
أول ما استرعى نظرنا من بعيد كان منظر بوابة الجامعة المهيبة. عند وصولنا لها كان مسؤول العلاقات العامة بانتظارنا حيث شرح لنا رمزية البوابة وارتباط طرازها القوطي الشائع في الأندلوثييا، في اسبانيا، بتاريخ العرب هناك. وقد شعرت ويوسف بالفخر لهذا الإنجاز الهندسي الباهر، خصوصا بعد أن عرفنا بسعة اطلاع الضيف هندسيا. وما إن دلفنا تحت البوابة وأصبحنا في شوارع الجامعة الداخلية حتى انتابنا شعور بأننا نعيش في حلم علمي جميل، وأن الكويت ستكون شيئا آخر خلال سنوات قليلة، بفضل مخرجات هذا الصرح العالمي، والذي سيكون مفخرة هندسية وعلمية لكل العرب، وربما المسلمين أيضا، فقد كانت المباني العلمية التي صممت على طراز الباروك شيئا غير عادي بجميع المقاييس، بحيث تجعلك تشعر وكأن رائحة العلم تتسرب من خلال فتحات شبابيك قاعات المحاضرات في كل مبنى.
غادرنا الجامعة واتجهنا إلى مستشفى جابر في منطقة جنوب السرة وكانت زيارة مميزة بكل المعايير والأطوال والمقاييس. وقد انتبه الصديق يوسف لأمارات الحسد التي كانت بادية على وجه الضيف الأوروبي وهو يشاهد جمال المبنى وفخامته ونظافته والمستوى الرفيع للخدمة الطبية والتمريضية فيه، وقال الضيف إن المواطن الكويتي، والمقيم كلاهما، قد ضمن بهذا الصرح مستوى علاجيا لا يضاهى للسنوات العشرين المقبلة على الأقل. وقد تأسف جدا لفشل مصرفه في الفوز بتمويل مشروع بناء المستشفى بسبب فارق السعر.
غادرنا المستشفى واتجهنا لاستاد جابر الرياضي على الدائري السادس وشاركنا الضيف الشعور بالفخر، بعد أن استمع لشرح واف عن مزايا الاستاد غير العادية والتي دعت اللجنة الأولمبية العالمية دول العالم للاقتداء بمعاييره والاحتذاء بمواصفاته عند بناء أي مبنى مماثل. كما شرح المسؤول السرعة الخيالية التي اعتمد فيها المشروع ونفذ، وبالرغم من ذلك جاء في المرتبة الثانية بعد جسر الصبية، الذي حاز على المرتبة الأولى. وقال الضيف، الذي بدا على اطلاع كاف بمشاكلنا الكروية، اننا بهذا الاستاد العظيم سنقلب الطاولة على ابن همام وصحبه، وسيكون الدور عليه قريبا للجري خلفنا ومراضاتنا.
جسر الصبية كان هدفنا التالي حيث انطلقنا له من الدائري الأول بسرعة تجاوزت المائة بقليل. جمال المنظر من فوق الجسر خلب لب الضيف فطلب منا فتح نوافذ السيارة للاستمتاع بهواء البحر، ورائحة اليود والزفر المنعشة المنبعثة من مناطق تفريخ السمك، التي بقيت من دون تخريب نتيجة بناء الجسر. وخلال دقائق كنا على مشارف مدينة الحرير، التي كانت شيئا آخر، فقد ذكرتنا أحياؤها السكنية بالمدن الأميركية الجديدة الخلابة، التي بنيت على الطرز المكسيكية والدانمركية الحديثة بمسحة اسكندنافية واضحة. وقد أضعنا طريقنا لأكثر من ساعة بين ملاعب الغولف العديدة المنتشرة هناك، فقد تشابه علينا البقر، ولم نود أنا ويوسف حقيقة الخروج من تلك المنطقة بسبب خضارها العجيب.
انتهت جولتنا هناك في أحد مطاعم الداون تاون، الذي سيصبح قلب الكويت المالي خلال اشهر قليلة. وفي ذلك المطعم الدوار على قمة ناطحة سحاب تيسية (من تيس) الذي يتسع لأكثر من ألف شخص، تناولنا طعاما شهيا ونحن نستمتع بمنظر غروب الشمس في الأفق من جهة وتلألؤ أضواء منظر مدينة الكويت من الجهة الأخرى.
وهنا طلب الضيف منا إعادته إلى الفندق فما شاهده ورآه في ذلك اليوم يكفيه زادا هندسيا وثقافيا وعلميا ونفسيا وغذائيا لأشهر عدّة مقبلة، وقد أسفنا لطلبه، حيث إن في جعبتنا الكثير من المشاريع المماثلة التي كنا نود إطلاعه عليها والتي كانت وستبقى مصدر فخر كبير لنا ككويتيين مميزين!!
عند عودتي مساء ذلك اليوم للبيت قرأت في «السياسة» أن برج مبارك الكبير الذي سيتوسط إحدى أكبر ساحات مدينة الحرير سيكون الأعلى في العالم بارتفاع 1001 متر وستبلغ كلفة بنائه 86 مليار دولار، وسيتكون من 230 طابقاً، وسيجذب استثمارات كثيرة للكويت. وبالرغم من أن الموعد المتوقع للانتهاء منه سيكون في عام 2033، فان الحكومة الكويتية قررت الانتهاء منه مع نهاية عام 2009، كما طلبت الحكومة من المصمم إضافة طابق للمبنى في قمته يخصص جزء منه لعرض مشاريع الكلك الكويتية، وجزء آخر لعرض الدنابك والمراويس!!
ملاحظة: صاحب فكرة هذا المقال الحلم هو الصديق يوسف الجاسم.

الارشيف

Back to Top