طلاسم الشؤون وتبرعات رمضان
أعلنت وزارة الشؤون، وفي اعتراف تكرر صدور ما يماثله عشرات المرات، وعلى لسان مدير إدارة «الجمعيات والمبرات الخيرية» فيها، أن هناك بعض «الملاحظات» على عملية جمع التبرعات خلال شهر رمضان، وأن مقترفي هذه «الملاحظات» أشخاص لديهم جهود شخصية (هكذا) للحصول على الأموال بأي شكل، وأنه سيتم الإعلان عن الملاحظات بشكل شامل بعد رمضان! وقال السيد المدير أن هذه «التجاوزات» إساءة وتشويه لتاريخ الجمعيات الخيرية، ولكن على الرغم من ذلك، لم يتم ضبط أي مخالفة، بل بعض «الملاحظات»!
ثم ناقض نفسه بالقول إن لديه «أدلة وبراهين» تؤكد أن الجمعيات الخيرية ذاتها هي التي تطالب بإزالة هذه «المخالفات» من مرتكبيها! وأن الوزارة ستلاحق هؤلاء المرتكبين لعدم قانونية فعلهم(!!!).
من الواضح أولا أن السيد المدير، ناصر العمار، يتحلى بشجاعة نادرة، فالجبهة التي يقاتل فيها ليست سهلة، والأشخاص والجهات الذين يحاول التصدي لهم ليسوا بالعاديين، وفي دول كثيرة يسقط الكثيرون صرعى معارضتهم لجمع مثل هذه الأموال الكبيرة والسهلة، كأموال الخيرات بالذات التي لا صاحب لها ولا رقابة فعالة عليها، وفوق هذا وذاك للقائمين عليها حصة الأسد.
ولكن شجاعة السيد العمار غير كافية لوقف طوفان التجاوزات التي حاول التخفيف من خطورتها بوصفها في تصريحه تارة بـ«الملاحظات»، وتارة بالتجاوزات، ثم زاد «الجيلة» ووصفها بـ «مخالفات»، وأنه ستتم ملاحقة مرتكبيها! فكيف تكون هذه الأفعال غير السوية من «قبل البعض» ملاحظات مرة، وتجاوزات مرة ثانية، ومخالفات غير قانونية في الوقت ذاته، ومتى كانت السلطات الحكومية تلاحق المواطنين وتعاقبهم على «ملاحظات»؟
كما نشك في أن يفي السيد العمار بتعهده، ويقوم بكشف أسماء الأشخاص الذين ارتكبوا تلك المخالفات غير القانونية، وإن فعل ذلك فلن يستطيع في نهاية الأمر كشف الأدلة والبراهين التي يمتلكها، والتي قال إنها تدين بعض «الجمعيات الخيرية» التي وقفت وراء هؤلاء المخالفين وطالبته شخصيا بإسقاط تهمة المخالفات القانونية عنها. وإن قام بذلك، وهذا ما نتمناه، فإنه سيعجز عن توقيع أي عقوبة حقيقية بحق أي طرف منهم، والأهم من كل ذلك أن الأموال التي جمعت بغير حق لن تسترد بعد أن طارت الطيور «الخيرية الطيبة» كالعادة بأرزاقها!
نريد فقط أن تكون وزارة الشؤون الاجتماعية جادة لمرة واحدة مع هذه الجمعيات والمبرات الخيرية التي أصبحت دولة داخل دولة، والمنتمون إليها ليسوا رجال دين فقط، بل ويعملون في الوقت نفسه أئمة مساجد ورؤساء وأعضاء لجان شرعية في البنوك والمؤسسات المالية، في الوقت الذي تعمل أغلبيتهم موظفين كبارا في مصالح حكومية معروفة. وقد وردتني شخصيا رسائل هاتفية قصيرة من السيد خالد المذكور تطالبني بالتبرع لأحد مشاريعه. كما تضمنت صحف رمضان الكثير من الفلايرز التي تحمل صورته من أجل جمع تبرعات. فهل حصل السيد المذكور على إذن الجهات المختصة بجمع التبرعات، خصوصا أنه يعمل في وظيفة حكومية ويدير ويشارك في عشرات اللجان الشرعية في مختلف المصارف والمؤسسات المالية مقابل أجر؟
نتمنى أن تتمكن جهة ما من فك كل هذه الطلاسم، وتجيب ولو عن بعض تساؤلاتنا.