زقزقة العصافير والهيافة
أحب زقزقة العصافير وتغريد البلابل وصوت شلالات المياه ودقات العيدروسي على المرواس. كما أعشق صوت سوناتات موزارت ونغم عود الفضالة ومنظر قوس قزح وصوت ماريا كالاس، وهدير بافاروتي على مسرح «لاسكالا» وأزياء كوكو شانيل وتصميمات ايف سانت لوران وشموخ جبال نجران وعظمة سجاد فارس. كما يسكرني صوت أم كلثوم من غير خمر، ويبكيني منظر طفل جائع وأم مشردة وأب مكلوم، وأهيم بالسفر فجرا والتعرف إلى العالم وتذوق أطعمته والتواصل مع أناسه نغما وعيشا ولقمة وابتسامة، وأحب لقاء بوتشييلي ورؤية رسوم بيكاسو والانصات لصوت سيزاري أيفورا. كما أميل لتلمس أوراق الأشجار في يوم ندي وأهيم بمنظر الفراشات وهي ترفرف بأجنحتها فوق الأزهار، ولا أشبع من النظر لأهرامات مصر وما تخبئه من أسرار، واستنشاق رائحة العشب المشذب توا، وشم بخار الجبس المرشوش بالماء، ومشاهدة أفلام يوسف شاهين وفرانسيس فورد كوبولا ومريم قاليباف، وقراءة «امرأتين» البرتو مورافيا و«أيام» طه حسين و«أولاد حارة» نجيب محفوظ ومخرجات عقل «بل غيت» وجنون أفكار السنعوسي وقفشات عبدالحسين عبدالرضا وخالد النفيسي، وتمثيل سناء جميل وايشور كومار، والسفر بالقطار عبر البلدان والأمصار والأنفاق، والجلوس تحت قبب مساجد عشق آباد وباكو وسمرقند وشيراز واسطنبول، والاستلقاء تحت أسقف كاتدرائيات فلورنس والفاتيكان وكومو وآيا صوفيا، والتطلع بشغف لمعابد السيخ في سرينغار، والدخول إلى معابد البوذيين في تايلند، والسير في ممرات قصور المهراجات في راجستان ومحاولة استعادة طريقة حياتهم.
آه كم أود السير على قمم جبال روكي والنزول منها هرولة لوادي الغراند كانيون، والسباحة في بحيرة ناصر، وتناول أرجل الضفادع في مقاهي باريس، وتدخين السيجار في بار بمدينة انفرنس، وصيد السلمون على سواحل فانكوفر، والتسكع في ساحات مراكش، والسير دون كلل في شوارع القدس العتيقة...!!
آه كم هي جميلة هذه الحياة! وكم هي رائعة هذه الأرض التي تضم مرابع وأماكن شتى أكثر بكثير من قطع منطقة كيفان وأزقة بريدة وجمعيات الجهراء! وهنا لن نتكلم عن الكون اللانهائي الذي يبلغ حجمه من جانب الى آخر أكثر من 93 مليار سنة ضوئية، وللمقارنة فقط فان حجم أي مجرة لا يزيد على 30 ألف سنة ضوئية، والمسافة الاعتيادية بين أي مجرتين متجاورتين لا يزيد على 3 ملايين سنة ضوئية، بل سنتكلم عن الكرة الأرضية التي يزيد عدد سكانها اليوم عن 6 بليون و700 مليون نسمة ويبلغ عمرها
54، 4 مليارات سنة، وتشكلت الحياة فيها في المليار سنة الأولى، والتي تزيد عدد لغات ساكنيها ومعتقداتهم على عشرات الآلاف، التي يعتقد بضعة نفر من سكانها أنهم يمتلكون الحقيقة، وان الصواب فيما يتبعونه من لبس وكلام وسلام وهيئة وتصرف ومعتقد!!
سلام على الحقيقة يوم ولدت وأسف عليها يوم ماتت!!