شجرة الوييد والعراق
في ستينات القرن الماضي وقعت كارثة بيئية في العراق، لكن النظام المتسلط فيها استطاع وقتها اخفاء الكثير من معالمها عن العالم، ولكن البعض من أخبارها وآثارها تسرب إلى الكويت، ولكن أحدا لم يجرؤ على التحدث فيه في ظل وضع صحافة تلك الأيام، وتوتر العلاقة بين حكم تلك الدولة الدكتاتوري غير المستقر من جهة، وشبه الديموقراطي والمستقر في الكويت من جهة أخرى.
حدثت الكارثة عندما قامت الحكومة العراقية بشراء كميات كبيرة من البذور الزراعية المعالجة التي بإمكانها البقاء في التربة بعد زراعتها لأكثر من سنة في حال عدم سقوط المطر اللازم لنموها، بسبب خاصيتها المقاومة للآفات الزراعية.
وزعت الحكومة تلك البذور مجانا على المزارعين أو الفلح، وخاصة في منطقة جنوب العراق. كما حذرتهم من مغبة ادخال تلك البذور في طعامهم بسبب سمية المواد التي استخدمت في تكسيتها وحمايتها من الآفات.
بسبب عدم ثقة هؤلاء الفلاحين بحكومتهم، أو ربما لكسلهم، قاموا في مرحلة أولى بتجربة اطعام تلك البذور للدواجن وعندما لم تظهر عليها أي آثار جانبية أو مرض بعد يوم أو يومين قاموا باطعامها لحيوانات أكبر، وعندما لم تظهر على هذه الحيوانات أي أعراض ايضاً، قاموا بطحنها وتناولها.
لم تستسغ الحكومة تصرف اولئك المزارعين الكسالى وقامت في السنة التالية باستيراد كميات أكبر من تلك البذور، ولكنها قامت هذه المرة بزيادة نسبة سميتها، وحذرت المزارعين من خطورتها الشديدة، ووضعت علامات تحذير بارزة على الأكياس.
لم يعبأ هؤلاء بتحذيرات الحكومة هذه المرة ايضاً، وقاموا بتكرار اطعامها لماشيتهم ولما لم تظهر عليها أي أعراض قاموا بتناولها!
وهنا حدثت الكارثة، حيث ان سمية تلك الحبوب كانت تتطلب مرور اسبوع على الأقل لكي تظهر آثارها على حيوانات الحقل، ولم ينتظر هؤلاء الفترة الكافية بسبب جهلهم بخواصها، وبالتالي قاموا بتناولها فأصيب عدد كبير منهم بأمراض مختلفة، كما امتدت الاصابات إلى المواشي والدواجن التي اصيبت بأعراض تسمم واضحة ونفق منها الكثير، واصبح من الخطر تناول لحومها.
غضب المزارعون مما اصابهم وقاموا، خوفا من بطش الحكومة أو جهلا، برمي ما تبقى لديهم من بذور في النهر، فأدى ذلك إلى تسمم الثروة السمكية!!
وهكذا اكتملت حلقات المأساة، واصبح جزء كبير من شعب جنوب العراق نباتيا بغير إرادته، بعد ان حرم من تناول لحوم الأبقار والأغنام والأسماك لعدة أشهر. واتذكر حينها ان الكويت منعت ادخال أي لحوم أو أسماك من العراق، وشمل الحظر منتجات أخرى كالزبدة والقيمر، وحتى البقصم!!
تذكرت تلك الحادثة وأنا أقرأ عن اكتشاف عظيم توصلت إليه مختبرات الغرب الكافر التي يصفها البعض بالنجسة، الذي تعلق بالنجاح في انتاج بذور زراعية ذات قدرة عالية على مقاومة الآفات الزراعية، وخاصة في المناطق التي تنتشر فيها نباتات وأشجار الوييد weed التي تمد جذورها لمسافات طويلة وقريبة من السطح، والتي تتغذى على ما تصادفه في طريقها من بذور زراعية، والتي كان من الاستحالة تجنب الزراعة بعيدا عنها أو ازالتها بسبب كثرتها الغريبة وقوتها وانتشار جذورها لمسافات طويلة.
ويعتقد الخبراء ان استخدام هذه البذور سيزيد من دخل مزارعي الدول المعنية بنسب عالية تبلغ مليارات الدولارات سنويا.
فماذا فعلنا طوال قرون بدخل بترولنا من أجل هؤلاء التعساء والمنكوبين؟!