هل هناك من يود الفهم؟
أجرى مقدم برنامج 'إضاءات' المميز تركي الدخيل قبل أيام لقاء مع السيد اياد جمال الدين. ولأهمية ما ورد فيها، ولكون السيد جمال الدين رجل دين شيعيا معمما ونائبا في البرلمان العراقي على قائمة إياد علاوي، فإننا نقدم في المقالين التاليين ملخصا لأهم ما دار فيها، والذي يقال للمرة الأولى في التاريخ الحديث من قبل من في مكانته:
1 - سبق أن اعترض السيد جمال الدين على مسودة الدستور العراقي لأنها نصت في المادة 2 منه على أن دين الدولة الإسلام. فالدولة، برأيه، شخصية اعتبارية لا تصوم ولا تصلي وبالتالي لا دين محددا لها. وقال انه مع الدولة العلمانية وضد الدولة الدينية، وبالتالي فمن المعيب القول ان الإسلام مصدر للتشريع، ففي هذا إساءة له لأننا نأخذ نتفة من الشرع الإسلامي ونتفة من القانون الفرنسي ونمزج بينهما لنقدم خليطا بائسا، فازدواجية التشريع قاتلة. ففي العراق لسنا دولة شرعية بالكامل تسير على شرع الله، ولا نحن دولة تتعامل بالقانون الوضعي. نعم نحن نعتقد أن القرآن كتاب الله المنزل وهو كامل بين الدفتين لم يزد فيه ولم ينقص، وأن القرآن والإسلام هما الحل صحيح، فإذا لماذا نزج بأجزاء ومفاصل من القانون الفرنسي أو غيره في قوانيننا الشرعية وليتفضل الذين يطالبون بإقامة دولة دينية أن يلتزموا بالشرع فحسب، وأن يأخذوا الجزية من مواطنيهم المسيحيين مثلا، وأن يوضع الصابئة في العراق موضع الشك والريبة لأن هناك بحثا هل هم أهل كتاب أو غير أهل كتاب. إن كانوا أهل كتاب تفرض عليهم الجزية، أما غيرهم، فليس كذلك، وبالتالي ما هو موضعهم في الدولة الدينية، الجزية تؤخذ من أهل الكتاب فقط، أما غير أهل الكتاب، المشركون فيقتلون ويقضى عليهم ولا يمكن أن يقبلوا كمواطنين. فلا يمكن أن تنسجم الدولة الدينية المستندة إلى الشرع مع مبدأ المواطنة. وأساس فكرة الوطن في الشرع غير فكرة الوطن في الأدبيات السياسية الحديثة وليس للدولة الإقليمية مفهوم في الشرع، ومن يرد تأسيس دولة على الشرع يجب أن يأخذ الشرع بكامله لا يجتزئ منه ما يناسب وضعا معينا.
وقال السيد جمال الدين ان المجتمع المغلق يؤدي إلى نفور الناس من الدين
والتطبيق السيئ للدين ينفر الناس لا من المطبق فقط وإنما من الدين نفسه. والنظام العلماني هو ضمان لحرية المؤسسة الدينية والمؤسسات الأخرى لأنه قائم على مبدأ احترام حقوق الإنسان، والإنسان ممكن أن يكون مرجعا دينيا ويمكن أن يكون مغنيا خلاعيا، وهذا إنسان وهذا إنسان والنظام العلماني يحافظ على حرية الجميع. فلا المرجع الديني يلغي البار ولا البار يلغي المرجعية الدينية، هذا يوفره النظام المحايد الذي هو النظام العلماني.
البار في الإسلام محرم، ولكنه محرم لي أنا شخصيا وعلي أن لا أرتكب هذه المعصية وأراها معصية ومدخلة للنار بلا شك، ولكن هذا التزام شخصي لا أفرضه عليك ولا على الآخر، الآخر هو حر. ففهمي أنا كشيعي أن الحكم الإسلامي يعني تطبيق الإسلام مجتمعيا وإداريا يجب أن يكون بيد المعصوم. أما إن كان بيد غير المعصوم ففيه فوائد وفيه مشاكل ومشاكله وآثاره السلبية أكبر من فوائده، وهذا ما عانيناه طوال 14 قرنا إلى الآن!!
المشكلة أن الإنسان طوال هذه الفترة كان ملغى. لا حرية ولا كرامة، ومن اجتهد مقابل اجتهاد الخليفة فهو فاسق زنديق كافر يجب أن يقتل، كما قتل الكثيرون من الفضلاء الذين لم يملكوا لا جيشا ولا ميليشيا!!
المشكلة في الحكم الأيديولوجي سواء كان أيديولوجيا إسلاميا أو أيديولوجيا شيعيا. فأنا لست مع قيام أي حزب أيديولوجي. ليس أيديولوجيا إسلامي حتى لو كان أيديولوجيا شيوعيا مثلا: أنا ما عندي مشكلة مع الدين ولا مع الأيديولوجيا، ما عندي مشكلة مع الفكر الماركسي، عندي مشكلة مع تسييس الفكر الماركسي، عندي مشكلة مع تسييس الدين يعني استغلال الفكرة لترويض الناس وإخضاعهم، وممارسة كل القوى الإعلامية والأمنية والإدارية وغيرها من أجل تعبيد الناس بفكرة ما. الناس أحرار وإحنا عندنا بالفقه أقلها الفقة الشيعي، وأظن الفكر الإسلامي ككل أساس الدين هو الحرية، أساس التكليف بالصلاة أن يكون حرا والحر ليس مقابل العبد، والحر هو حر الإرادة. وحرية اتخاذ القرار تعني أن تكون حرا كامل الحرية وتقول لا إله إلا الله، أما أن تكون مكرها على ذلك والإكراه تارة بصوت الأب وتارة بصوت المجتمع وتارة بصوت الدولة، هذا كله يلغي أساس إسلامك، أساس دينك، أساس صلاتك!!
وعندما سأله المقدم عما إذا كان يخلع عمامته عند دخول البرلمان، قال ان هذا من شؤونه الشخصية، كعبادته وفكره وصلاته فالناس أحرار، ولذلك أنا احترم كل إنسان حر، وأزدري غير الحر، يعني أزدري المرأة التي تتحجب نتيجة حاجتها إلى وظيفة أو لضغط المجتمع أو لضغط الدولة.
أحترم الإنسانة تكون محجبة حتى لو كانت في نيويورك، وسافرة حتى لو كانت في النجف، إذا كان عن قناعة وعن اختيار وعن حرية، ولذلك لا قيمة لأي التزام ديني أو فكري نتيجة ضغوط أو إمعة.
إن الإسلاميين عموما، سنة وشيعة، يعبدون الدين ولا يعبدون رب الدين، ولذلك ينتج التعصب!! لماذا يتعصب الإنسان؟ يعني هو الدين مثل سيارة توصلك إلى مكة، الهدف مكة وليس السيارة، فإذا بدأت تطوف حول السيارة وتعبد السيارة وتقبلها وتتمسح بأركانها انقطع طريقك، فالوصول للكعبة، وهي بذاتها رمز، وسيلة هي ليست مقصودة لذاتها، المقصود رب إلى الكعبة، لكي لا تتساوى الكعبة مع الوثن، الشيء نفسه وهو الوثن لماذا أصبح مذموما؟ لأنه عبد لنفسه، لم يتخذ كوسيلة.
ربما بعض الآخرين أفضل من بعض المسلمين الذين يقول عنهم انهم يتخذونها ليقربونا إلى الله زلفى، يعني أيضا يتخذونها وسيلة، فقصدي فرق بين عبادة الدين الذي ينتج عنه التعصب والتعصب الشديد دينيا مع الآخر المسيحي أو اليهوي أو البوذي أو غيره أو التعصب مذهبيا.
التجربة الإيرانية تحكم في الدين وهي بدعة ليس لأنها فريدة، فأنا أرفض ولاية الفقيه، وأقول انها فريدة لأنها رؤية لا تنسجم مع مبادئ الفهم الشيعي الإمامي للشيعة. إن التشيع قائم على أساس.. يعني ما الذي يميز التشيع عن التسنن؟ كل ما يقال هي تفصيلات. كثيرون يعددون تفاصيل، يصلي مسبلا أو متكتفا كلها تفصيلات مشتركة، يعني لم ينفرد الشيعة برأي لم يوافقهم عليه أحد علماء السنة.
ليس هنالك موقف واحد للشيعة ينفرد به الشيعة ويميزهم جميعهم عن غيرهم. ما يميزهم هو رفضهم لحكومة أبو بكر فقط!! فلماذا يرفض الشيعة هذه الحكومة؟ لسبب واحد، دعك من قال وقيل وآيات وروايات وأحاديث تاريخية.. نقطة واحدة، أن أبو بكر غير معصوم أخذ كل صلاحيات المعصوم الذي هو النبي محمد (ص) هذه نقطة الارتكاز الأساسية في فكر الشيعة!!
بعد 14 قرنا ظهر فقيه من فقهاء الشيعة، وهو غير معصوم، وهو السيد الخميني، وأخذ كل صلاحيات المعصوم! إذا إذا كان تصرف السيد الخميني رحمه الله، صح فإذا أبو بكر المفروض أن يكون تصرفه صح وبالتالي يرتفع الخلاف.. بعد على شنو الخلاف؟
ان استخدام الدين سياسيا أخطر من التكنولوجيا النووية. فالدين يعني القرآن بلا شك هو كتاب الله المنزل، وبلا شك انه كامل وانه نور، ولكن ما رأيك لو وقع القرآن الكريم بيد إبليس وبدأ يفسره، ماذا يصنع إبليس بالقرآن؟ كيف يسخر الناس ويروضهم ويصنع منهم انتحاريين وقتلة قربة إلى الله، المشكلة ليست في القرآن المشكلة أن القرآن بيد من؟
وأخيرا يجب إسداء الشكر للرئيس بوش وإلى أميركا بتخليصنا من وثن كان يعبد في الله. يعني أنت إذا ذهبت إلى العراق أيام صدام حسين فان الأول والآخر والظاهر والباطن والمحيي والمميت والمغني والمفقر هو صدام بأذان كل العراقيين، بيده الحياة والموت الغنى والفقر يعني هو كل شيء، ولذلك وضع لنفسه 99 اسما مثل الأسماء الحسنى بلافتات عظيمة بالنيون!
* * *
ملاحظة: تجمع 'مبدعون كويتيون' www.mobde3oonq8.blogspot.com يدعوكم لحضور 'المعرض الإبداعي المفتوح' الداعي للحرية والمناهض للرقابة، وذلك يوم السبت 5 يناير، من الساعة 12 ظهرا وحتى الخامسة مساء، في حديقة العديلية العامة.