ملتقى 'بلدة طيبة'
تحت رعاية رئيس الوزراء أقامت الجمعيات الخيرية هذا الأسبوع ملتقى 'العمل الخيري الانساني' الذي ستستمر 'فعالياته لعدة أيام!!' سيناقش حضور الملتقى مواضيع عدة تتعلق بالعمل الخيري في أفريقيا والتحديات الخارجية التي تواجه العمل الخيري وواقعه في الداخل، ونظرة مستقبلية له والتحولات الدولية واثرها فيه. ولو قمنا، بتجرد ودون تحيز، باستعراض واقع ومنجزات العمل الخيري في السنوات العشر الماضية، على الأقل، التي يمكن تسميتها بسنوات الطفحة، أو الملاءة المالية المفرطة لدى هذه المؤسسات الدينية، لوجدنا أنها نجحت بجدارة في جمع مبالغ هائلة من خلال التبرعات النقدية والعينية تجاوزت قيمتها، حسب أكثر التقديرات تحفظا، الملياري دولار. ولكن لو حاولنا استعراض الحقيقي من منجزاتها لما رأينا شيئا ملموسا يمكن لهذه الجهات الاشارة له بفخر، أو الركون اليه في استمرار انشطتها. والسؤال الذي يطرح نفسه، في ظل تواضع ما حققته هذه الجمعيات خلال السنوات الثلاثين الماضية، هو أين ذهبت مليارات الجمعيات الخيرية؟ الجواب ليس بتلك الصعوبة من حيث انها أموال جمعت بسهولة ودون عناء، كما ان ليس لها صاحب ولم تكن يوما تحت رقابة اي جهة كانت، وبالتالي لم يكن صعبا تضييعها بطريقة أو بأخرى، فما أتى بسهولة يذهب بسهولة أكبر!! ولو وضعنا جانبا المتواضع من الأعمال التي قامت هذه الجمعيات بانجازه، والذي تمثل في حفر آبار واطعام الأطفال، وتوزيع الأمصال الطبية والملابس والمساعدات النقدية وبناء دور عبادة صغيرة هنا وهناك، لما وجدنا ما يستحق الذكر حقا، وهنا لا يلام البعض من مسؤولي هذه الجمعيات لافتقادهم الحد الادنى من التفكير 'الاستثماري' الحصيف، والأمثلة كثيرة. وبالتالي يمكن القول، ومن واقع ما ورد في الصحافة المحلية على مدى سنوات، ومما ورد على لسان احد كبار مسؤولي جهاز أمن الدولة، ومن واقع كشوف وسجلات ادارة رقابة العمل الخيري في الشؤون، وما تسرب من الجهات الرقابية الأميركية التي زارت الكويت عدة مرات، ومن أقوال من سبق ان عملوا في تلك الجمعيات، يمكن القول ان أموال الجمعيات الخيرية ذهبت للجهات التالية:
1- صرف الجزء الأكبر من أموال بعض الجمعيات على 'القائمين عليها' ابتداء من الصبية الملتحين الذين كانوا يشغلون أكشاك التبرعات مرورا بالمحاسبين وكبار الموظفين الذين هبروا ما توصلت له أيديهم من أموال لا صاحب لها، وانتهاء بمجالس ادارات الكثير من هذه الجمعيات التي لم يكن لديها ادنى دراية بكيفية استثمار هذه الأموال الطائلة!
2- صرفت نسبة كبيرة اخرى على شراء كسوة للفقراء من عراة مسلمي الدول الفقيرة واطعام ابنائهم والصرف ببذخ لا نظير له على جيش الدعاة الذي انشغل عدد منهم بالزواج من حور البوسنة وكوسوفو، اضافة الى ما تم صرفه على طباعة ملايين النسخ من الكتب الدينية التي لم تستفد منها جهة واحدة بشكل فعال. وبالتالي ليس هناك مشروع واحد يمكن لأي جمعية خيرية الافتخار بانشائه في أي دولة فقيرة كانت.
ولو قارنا 'منجزات' هذه الجمعيات الخيرية مجتمعة بما قام به شخص واحد هو البنغلادشي محمد يونس، الفائز بجائزة نوبل للسلام، الذي اوجد ملايين فرص العمل للمعدمين من مواطنيه عن طريق فكرة 'بنك الفقراء'، لوجب على غالبية مجالس ادارات هذه الجمعيات الشعور بالقصور حقا.
3- الصرف على حملات مرشحين حزبيين للاستعانة بهم في تقوية مواقفهم أمام الحكومة مستقبلا، وهذا ما أثبتت الأيام صحته.
4- تسرب جزء كبير من الأموال الى جهات مشبوهة خارج الكويت وهذا ما بينه الكثير من قضايا ووقائع نقل الأموال نقدا لعدد من الدول العربية والأجنبية بوسائل غير قانونية ولأغراض مشبوهة، وأيضا ما أظهرته تحقيقات وفود وزارة الخزانة الأميركية.
وأخيرا يمكن القول ان الملتقى المنعقد الآن لن يتمحض عن شيء في نهاية الأمر، فالخلل الهيكلي الذي تعاني منه الجمعيات الخيرية، وافتقارها لأي استراتيجية فعالة أكبر من أي مؤتمر، والأيام ستثبت قولنا.