النظام الغريب (2/2)
نعود لقصة الأموال الليبية ونقول بأننا طوال سنوات لم نتوقف عن توجيه السؤال المرة تلو الأخرى لكل من نعرف من رجال الأعمال، عالميين ومحليين، عن مصير أموال ليبيا والاجابة كانت في الغالب اما صمتا وابتسامة غامضة أو هز أكتاف مع رفع الكفين دلالة الجهل بالشيء!!
قبل ثماني سنوات قام النظام في ليبيا بالقاء القبض على خمس ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني بتهمة حقن 500 طفل ليبي بفيروس مرض الايدز القاتل. بعد سنوات سجن طويلة وتعذيب واغتصاب حكم على هؤلاء بالاعدام. فجأة تقرر اطلاق سراحهم بعد تعهد جهات عدة دفع مبلغ 500 مليون دولار لأسر الأطفال الضحايا!!
طوال هذه السنوات الثماني أصر المتهمون على براءتهم، مع أن الاعترافات التي انتزعت منهم قالت خلاف ذلك، وأصر النظام الليبي على ادانتهم. ولكن بالرغم من هذا الاصرار فان النظام فشل طوال 3000 يوم من الاعتقال في تقديم سبب مقنع واحد، غير عدائهم للشعب الليبي، يبرر قيامهم بارتكاب تلك الجريمة البشعة. ولو كانت التهمة صحيحة حقا فلماذا أبقى النظام على حياتهم طوال هذه المدة الطويلة؟ وهل حياة خمسمائة طفل ليبي بريء تساوي 500 مليون دولار في عيون سيف الاسلام القذافي؟
من الواضح أن المسألة لا تعدو أن تكون عملية ابتزاز رخيصة لحكومات تهتم بمصائر شعوبها!! ولكن ليبيا ليست الوحيدة في عمليات حجز رهائن وابتزاز حكوماتهم أو عائلات مقابل اطلاق سراحهم. فقد اشتهر الكثير من حكوماتنا، العربية المسلمة، منذ سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم، بمثل هذه الأعمال 'البطولية'. كان الفلسطينيون الأكثر نشاطا فيها، ولكن لهؤلاء قضية وليست لديهم حكومة ودولة ونظام. وبالرغم من توقفهم عن ارتكاب مثل هذه الحماقات بعد أن تبين لهم وللآخرين أن ضررها أكثر من نفعها، فان لا أحد، كما يبدو، تعلم شيئا من درسهم. فقد رأينا كيف قامت حكومة الثورة الايرانية باحتجاز العديد من دبلوماسي السفارة الأميركية في طهران ل 444 يوما قبل أن توافق على اطلاق سراحهم دون مقابل. ومن بعدها لجأ هذا النظام الى أعوانه في لبنان ليقوموا بتنفيذ هذه المهمة القذرة نيابة عنه. ولم يحقق هؤلاء شيئا كذلك، بل فقد لبنان عددا مميزا من خيرة الأكاديميين الأجانب الذين اما لقوا حتفهم على أيدي من اختطفهم أو قرروا الهجرة منه وعدم العودة اليه الى الأبد.
ومن بعدها قام صدام باحتجاز مئات الرهائن الغربيين من أطفال صغار ونساء، من الذين تم اجلاؤهم من الكويت، وهدد باستخدامهم دروعا بشرية ان تعرض نظامه الفاشي للخطر، ولكنه اضطر في نهاية الأمر لاطلاق سراحهم دون أن يحصل على شيء. ثم جاءت قبل أيام عملية اختطاف رهائن كوريين أبرياء على أيدي حركة طالبان المتخلفة، ومن ثم اطلاق سراحهم بعد أن مات على أيديهم من مات لتخسر بلادهم فيلقا طبيا مساعدا هي بأمس الحاجة اليه!
القائمة طويلة ولم أتذكر الا بعض عمليات الاختطاف التي سبق أن تركت أثرا عميقا في نفسي. وسأكون أسعد انسان ان حاولت جهة غير عربية أو اسلامية يوما ما خطف 'واحد' منا ومفاوضة حكومته على شروط اطلاق سراحه! وقتها سأعرف أننا أصبحنا أخيرا نمثل 'شيئا ما' في عيون حكوماتنا