حرب داحس والغبراء الحديثة

نشرت 'القبس' مشكورة تحقيقا على صفحة كاملة عن الكاتبة المبدعة 'جي كي رولينغ'، مؤلفة سلسلة روايات 'هاري بوتر'، التي درت عليها حتى الآن اكثر من مليار دولار. ولا تزال رواياتها تبيع المزيد حول العالم كل يوم.
الغريب في الأمر ان اطفالا، وبالغين، في اكثر من تسعين مدينة واصلوا السهر لأيام امام المكتبات للحصول على نسخة من كتاب 'هاري بوتر' الأخير، الذي فاقت مبيعاته أي كتاب خيالي آخر.
كان الإعلان قبل أيام عن طرح الكتاب الأخير للبيع حدثا ثقافيا وتجاريا مهما في جميع انحاء العالم. ولكننا في عالمنا العربي المحدود القدرة والطاقة والذي لا يزيد دخله اليومي من النفط فقط على مليار ونصف المليار دولار يوميا، مع كل طلعة شمس حمراء لاهبة، فقد كنا أبعد ما نكون عن حرب 'داحس والغبراء' التي حدثت في تسعين مدينة حول العالم للحصول على النسخ الأولى من الرواية قبل نفاد الكمية، وهذا حدث بسبب فقدان غالبيتنا الساحقة لأي احساس يتعلق بالقراءة بشكل عام، وكتب الاطفال بشكل خاص، ولأن لنا 'داحس وغبراء' خاصة بنا والتي تتلخص في تخصصنا في قتل بعضنا البعض في العراق وفلسطين وباكستان ولبنان وافغانستان... إلى آخر القائمة!!
سخر الكثيرون من ذلك التلهف والشوق الغريبين اللذين ظهرا على الكثير من اطفال ومراهقي اليابان واستراليا والهند ومدن افريقية واوروبية واميركية جنوبية وشمالية عدة وهم يحملون نسخهم من ذلك الكتاب قبل غيرهم. كما كان غيرهم أكثر سعادة وهم يحملون النسخ التي حملت إهداء وتوقيع الكاتبة بصورة شخصية. وكان ذلك الشوق وتلك اللهفة مثار استغراب ودهشة البعض الآخر، وأوعز الجميع الأمر لهوس 'موضة' هاري بوتر، وان هؤلاء الاطفال والمراهقين انما يقلدون بعضهم، فالكتاب، في نظر منتقديه، لا يعدو ان يكون كتاب مغامرات خيالية يختلط فيها السحر بالخرافة ولا شيء غير ذلك وبالتالي لا يستحق كل هذا الاهتمام العالمي، الشعبي والحكومي!! ولكن نسي كل هؤلاء ان اهم ما حققه الكتاب ليس المال الذي انهمر على كاتبته المبدعة التي تستحق كل دولار جنته من رواياتها ولكن في نجاح الكتاب في جذب ملايين الاطفال، ومن هم في سن المراهقة بالذات، للقراءة، وبالتالي زرع بذور العادة لديهم لتبقى مع الكثيرين منهم... إلى الأبد. فليس هناك، حتى الآن، من وسيلة اكثر نجاحا في خلق انسان مثقف، من قراءة كتاب!! والبداية في كل ذلك تبدأ بكتاب يشدك لقراءته، وهذا ما نجحت 'جي كي رولينغ' في خلقه باقتدار!!
فشكرا لك يا سيدتي المؤلفة، ولا عزاء لأطفال وطن المليار ونصف المليار دولار يوميا من دخل النفط فقط، حيث سيكتفي هؤلاء بانتظار قيام هوليوود بانتاج فيلم 'هاري بوتر' ليشاهدوه في صالات مكيفة وهم جلوس على ارائك وثيرة!!

الارشيف

Back to Top