ثواب المدرسة

اقامت 'جمعية اولياء أمور المعاقين' حفل تكريم لبعض الشخصيات العاملة في المجال التطوعي. وكان الحفل مناسبة لتسليط الضوء على 'الفريق الخاص'، الذي يتكون من بعض المعاقين واولياء امورهم ومجموعة كبيرة من المتطوعين برئاسة جاسم الرشيد، الذي يهدف للقيام برحلة بحرية لعبور الاطلسي والوصول الى اميركا باسم الكويت وباسم المعاقين المنسيين!
وقد قام جاسم الرشيد، رئيس الحفل، بالاشادة بشخص السيد جاسم السعدون، وقال انه عرض دعمه المادي والمعنوي لفكرة الفريق الخاص، وطلب منه في هذه المناسبة القاء كلمة.
اشاد السيد السعدون بفكرة الرحلة البحرية وبالمناقب الطيبة لمن كان وراء الفكرة منذ اليوم الاول. كما اعلن استغرابه لانتشار العمل التطوعي في اوروبا واميركا، وانعدام هذه الظاهرة في بلداننا. كما تطرق في كلمته الى ظاهرة الاهتمام الكبير الذي يبديه الغربيون لمتطلبات اصحاب الاعاقات، والذي يزيد كثيرا على اهتمامنا. وقال ان اهتمامهم حتى بالحيوانات في بيوتهم يزيد على اهتمام بعضنا ببعض!
لم يتبرع السيد السعدون بشرح الاسباب الكامنة وراء ذلك، وترك الامر لذكاء المستمعين، ولكن لم يكن هناك من اهتم بالامر، كما كان مقعدي في مكان لم يسمح لي بالتعليق على تساؤله في حينه!
قامت 'القبس'، كعادتها، بتغطية وقائع مثل هذه المناسبات الانسانية المهمة (8/1)، ولكن الزميلة والمتطوعة عنود العلي، التي نقلت وقائع الحفل لم توفق في عملها بشكل كامل، حيث سهت حتى عن الاشارة عرضا، لكلمة السيد جاسم السعدون، على الرغم من اهميتها.
وفي محاولة منا للرد على التساؤل الذي طرحه السيد جاسم عن سبب عدم اهتمام مجتمعاتنا بالمعاق بالقدر نفسه الذي يبديه الانسان الغربي، فإننا سنتطرق للواقعة الحقيقية التالية التي حدثت معنا بعد التحرير مباشرة، والتي تبين ان الفكر الديني هو الذي يسير الكثير من تصرفاتنا ويتحكم في الكثير من دوافعنا. فالغربيون، بشكل عام، يعود اهتمامهم بالانسان المعاق لتحضرهم من جهة، ولعمق حسهم الانساني. كما ان للامر علاقة بما يشعرون به من مسؤولية اجتماعية تجاه هذه الفئة والتزامهم بالعمل التطوعي. اما عندنا فإن الامر يختلف بصورة جذرية. فنحن نميل مع ميلان الفكر الديني ونتشكل مع التعليم السائد. نعود لقصتنا ونقول: بعد التحرير بفترة شعرت باليأس والتعب من جدوى استجابة اي جهة حكومية، او غير ذلك، لطلب زوجتي، وانا، في الحصول على ترخيص او مشاركة مالية مناسبة لفتح مدرسة 'غير ربحية' للمعاقين، لتكون الاولى من نوعها في الكويت، على الرغم من ان عدد الذين كانوا بحاجة الى وجود مثل تلك المدرسة وقتها كان يفوق الالفي فتى وفتاة على اقل تقدير، الامر الذي دفعني لصرف النظر نهائيا عن فكرة اقامة المدرسة.
علم احد اقاربي بما اواجهه من صعوبة، ومدى اهمية الموضوع انسانيا ووطنيا واخلاقيا، فاقترح وقتها مفاتحة احد كبار ممثلي المراجع الدينية بالامر لعله يقبل بفكرة انشاء المدرسة لسمو هذه الفكرة، فضلا عن اهميتها القصوى!
رفضت الاقتراح فورا لعلمي التام بان مثل هذه الامور لا تلقى ترحيبا لدى هؤلاء، لكنه اصر وقال انني لن اخسر شيئا ان قبلت. فقلت له انه ربما سيكون الخاسر من جرأتي وحدة طرحي و'طول لساني'، ان رفضوا الطلب.. فوافق! اجتمعنا بذلك 'المحسن الكبير' في ديوانه، واستمع لطلبي، مبديا نصف اهتمام بالامر، وما ان انتهيت من كلامي حتى قال ان في الامر صعوبة، ولم يزد على ذلك! فلم اتردد في ان اصارحه القول ان في الامر استحالة، وانني كنت اتوقع ذلك الرد منه! ولولا الحاح قريبي لما دخلت ديوانه، وانني اعرف جيدا سبب رفضه تمويل مدرسة خيرية غير ربحية للمعاقين على الرغم من انه سيكون المشرف عليها، وان السبب يكمن في ان الفكر الديني الخاص 'بجنابه' يتعلق بالثواب والاجر على فتح مسجد او دار عبادة، اما فتح مدرسة، وبالذات للمعاقين 'ذهنيا'، اي المجانين بالعامية، فهذا ليس من الدين في شيء! سكت ولم يجب، ربما اقتناعا بما قلت، او خوفا من كلام اكثر حدة!
نحيل هذه الحادثة للسيد جاسم السعدون، فربما يجد فيها جوابا عن تساؤله!

الارشيف

Back to Top