إطارات وإشارة حمراء
كان حرق الاطارات في الشوارع والطرقات سائدا قبل سنوات في العديد من الدول، ولكن هذه الظاهرة اختفت تقريبا الا من شوارع بيروت الجميلة، التي شهدت قبل عام اكبر عملية حرق اطارات في التاريخ، وذلك عندما قام انصار حزب الله بحرق اكثر من مائة الف اطار في يوم واحد، في محاولة للاطاحة بالحكومة التي يترأسها فؤاد السنيورة!
لا يختلف اثنان على ان لحرق الاطارات مضار بيئية خطيرة سواء على صحة الانسان، وخصوصا الاطفال، او الحيوان والنبات، كما ان ما يصدر عن حرقها من ادخنة داكنة وكثيفة وروائح قوية تتسبب في ازعاج جميع من يكون في محيط حرقها، فإنها تتسبب كذلك في اتلاف الطرق نفسها التي يستعملها عادة من قام بحرقها، كما تؤدي عملية الحرق الى عرقلة حركة السيارات ومنع المرور في الكثير من الشوارع، ولكن على الرغم من هذه الحقائق التي لا يمكن دحضها، والكافية لإقناع اي 'مواطن عاقل ومحب لوطنه' بالتخلي عن هذا الاسلوب الاحتجاجي الهمجي، فإن الامر تطلب تدخل السيد محمد حسين فضل الله، وهو واحد من كبار رجال الدين الشيعة في لبنان، ليصدر فتوى تحرم كل ما من شأنه الاضرار بالبيئة من حرق اطارات، واطلاق رصاص ومفرقعات!
لقد جاءت هذه الفتوى متأخرة عن موعدها بأكثر من ربع قرن، ولكن ان تأتي متأخرة كل هذا الوقت خير من ان لا تأتي ابدا! هذا مع علمنا التام بأن نسبة من سيسمع بها ويتقيد بها لن تكون كبيرة، وستستمر عملية تخريب البيئة وحرق البلد وزيادة معاناة الناس طالما كان للنفوذ الاجنبي كل ذلك الدور في ادارة شؤون لبنان، ولكن هذا موضوع آخر.
ذكرتني هذه الفتوى بأخرى شبيهة بها صدرت قبل سنوات قليلة عن رجل دين سعودي حرم فيها وقتها على سائقي المركبات تجاوز اشارات المرور الحمراء!
وهذه الفتوى، والتي سبقتها، ومئات غيرها، تظهر بوضوح مقدار التشويش الذي تعاني منه عقول الكثيرين منا! فعلى الرغم من كل ما يمثله تجاوز الاشارة الحمراء من خطر محقق، وما ينتج عن حرق الاطارات في الشوارع من خطر صحي وبيئي، فان ذلك لم يكن كافيا، وتطلب الامر بالتالي اصدار فتوى دينية لمنعها! وهذا يجعلنا بجدارة الامة الوحيدة التي لا تدار بديهيات حياتها بالمصلحة الشخصية والتفكير العقلاني، بل تحتاج الى فتوى! وكان من الممكن ان يبقى الحال مقبولا هنا، ولكننا اصررنا في الوقت نفسه على مناطحة الامم المتقدمة في مكانتها، والسخرية في الوقت نفسه من الدول النامية والادعاء بأننا احسن منها.
***
ملاحظة:
حسنا فعلت السيدة نورية الصبيح، وزيرة التربية، بقبول اقتراح 'رئيس المركز الثقافي لمناهضة الفساد'، التابع لجمعية الشفافية، السيد صلاح الحميضي، بتضمين مقررات التعليم نصوصا تتعلق بالنزاهة والشفافية.. فهذه القيم يجب تعليمها في الصغر لتكون صعبة التغيير في الكبر، فهكذا بدأت حضارة الغرب، وترسخت استقامة مواطنيهم.