نحن واليهود
لم نتوقف منذ قرون عن اطلاق اشنع واقذر الاوصاف على اليهود، وزاد حماسنا لوصفهم بأكثر من ذلك بعد نجاحهم في استيطان فلسطين، وخلق دولتهم المتقدمة والجبارة.. من العدم.
ولكن لأسباب تتعلق بجهلنا، او بجهل من تولى عملية تعليمنا، فقد أبقينا كطلبة وكمواطنين، طيلة عقود، بعيدين، ثقافيا وتاريخيا عن كل ما يتعلق باليهود او اليهودية او اسرائيل والصهيونية. وحتى بعد ان اوقع هؤلاء بجيوشنا الهزيمة، العسكرية والنفسية، تلو الاخرى منذ 1948 وحتى الامس القريب، لكن هذا لم يزدنا الا اصرارا على البقاء على جهلنا بها، عسكريا وثقافيا وعلميا، وحتى دينيا واجتماعيا، ومناهج مدارس مختلف الدول العربية خير شاهد. موضوع هذه المقالة محاولة متواضعة لمعرفة شيء عن شعب اصررنا على معاداته لقرون طويلة، دون ان تعرف، حتى اعقد اجهزة مخابراتنا ما يكفي عنه.
من المهم ان ندرك اولا ان اسرائيل، وبالرغم من كبر عدد يهودها الشرقيين، قامت على أكتاف يهود اوروبا، الذين كانوا في غالبيتهم نتاج مجتمع ما بعد عصر النهضة الاكثر ميلا لليبرالية الدينية والسياسية، ومن المهم هنا الاقرار بأن مجال ممارسة الحرية الدينية والسياسية في اسرائيل كان ولا يزال اكثر رحابة منه في اي من دولنا!
ومن منطلق ضرورة معرفة من نصر على اعتباره عدوا لنا فإننا سنستعرض هنا بعض المعلومات عن اليهود بشكل عام.
يبلغ عدد يهود العالم اقل من عشرين مليونا، يعيش 7 ملايين منهم في اميركا و5 في اسرائيل، واقل من 3 في اوروبا. وهذا يعني ان هناك يهوديا واحدا مقابل كل 70 او 80 مسلما، ولكن بالرغم من عددهم الضئيل نسبيا وتناثر وجودهم على مختلف دول العالم، فإن تأثيرهم الهائل على الجنس البشري، خاصة خلال ال 150 سنة الاخيرة، لا يمكن انكاره، فأينشتاين اكبر من خدم البشرية بمنجزات عقله الجبار، كان يهوديا. كما كان سيغمون فرويد وكارل ماركس، وبول ساميولسون وملتون فريدمان، وان اول من اعطى البشرية ابرة التلقيح، واول من اكتشف لقاح الشلل ومن طوره وحسن فيه، ومن اكتشف دواء مكافحة مرض سرطان الدم (اللوكيميا) ومن طور لقاح مرض الكبد، ومن اكتشف دواء مرض السفلس، جميعهم كانوا يهودا. اما في مجال الامراض المعدية فقد فاز يهودي بجائزة نوبل، كما فاز آخر بها لاكتشافاته في مجال الامراض العقلية، وفاز ثالث بالجائزة لدوره في ابحاث مرض السكر، ورابع لتطويره علاج الامراض العقلية والكآبة والخوف من الارتفاعات، وخامس لصنعه حبوب منع الحمل، وهكذا حتى بلغ عدد من فاز بهذه الجائزة العظيمة اكثر من 15 يهوديا مقابل 3 مسلمين من 70 دولة.
والآن، ما الذي يفرقنا عن هؤلاء.. واصولهم واعراقهم تعود الى منطقتنا اصلا ومنها انطلقوا واليها ينتمون. ولماذا نكون دائما على النقيض منهم؟ ولماذا نحن في مثل هذا اليم من التخلف؟ وما الذي يمكننا ادعاء تحقيقه في السنوات المائة والخمسين الماضية، وكان سببا في سعادة العالم او التقليل من امراضه ومشاكله؟
لا شيء تقريبا!!
وبدلا من ان نتساءل عن سبب او اسباب تخلفنا وندخل في جدال عقيم قد لا نخرج منه بشيء، فإن من الافضل ان نعكس التساؤل ونقول: ما الذي جعل اليهود بكل هذه القوة؟
يقول الباحث الذي اجرى هذا الحصر بأن سر قوة اليهود ونجاحهم في الوصول الى تحقيق كل هذه الانجازات يكمن في العناصر التالية:
اولا: وجود هدف واضح ومحدد امامهم، ثانيا: وجود ايمان تام بالنظام.
ثالثا: ايمان عميق بأهمية التعليم، رابعا: اتحاد ووحدة متجانسة الى حد كبير، خامسا: شبكة عمل مترابطة.
ويقر الكثير من العلماء بأن ذكاء المسلمين بشكل عام، لا يقل عن ذكاء غيرهم، يهودا كانوا او خلاف ذلك، ولكنهم ولأسباب كثيرة، لا يمتلكون روح الفريق، وهذا ربما يعود في جزء كبير منه لكبر عددهم وتشتتهم وتفرقهم الى شيع ومذاهب، كما انهم يفتقدون النظرة البعيدة للأمور.
ولو سأل كل فرد منا نفسه عن اهدافه في الحياة، او ما يبتغي الوصول اليه لما عرف غالبيتنا كيفية الاجابة عن السؤال؟
فكفانا تفرقا بين سني وشيعي واباظي وزيدي وما بداخل كل مذهب من تشعب وتفرق، وبين كل هذا وذلك من افرع وجماعات وتكايا وزوايا وقادة واحزاب ومنابر ومجالس وحوزات.
لقد تركنا لرجال الدين التحكم في كل شاردة وواردة في حياتنا، بالرغم من تواضع قدرات غالبيتهم ومداركهم، علميا وثقافيا واجتماعيا، ولم نعلم، ولا نود ان نعلم، أن فاقد الشيء لا يعطيه.