كلام الناس. الجنرال مشرف.. وأنا
كان 'غوبلز'، وزير الدعاية النازي، يقول: كلما سمعت كلمة 'مثقف' وضعت يدي على مسدسي!.. واقول انا: كلما سمعت ب'حاكم عسكري' وضعت يدي على قلمي!
***
تعتبر باكستان من دول العالم الكثيفة السكان والفقيرة بالمصادر الطبيعية. كما انها تفتقر الى قاعدة صناعية كجارتها الهند، وهذا ادى وسهل من انتشار الفساد المالي والسياسي فيها.
غزت اموال اجهزة المخابرات الغربية، واموال 'البترودولار' الخليجية باكستان مع بداية الاحتلال السوفيتي لافغانستان، وعلى الرغم من اتفاق الطرفين على الهدف الرئيسي، فإن اهدافهما الاخرى كانت متضاربة، ولكنهما نجحا في نهاية الامر في إخراج السوفيت من افغانستان.
نجحت تلك الاموال الطائلة ليس في انهاء الاحتلال السوفيتي فقط، بل وفي تحويل جارتها باكستان الى قلعة دينية ايضا، حيث بلغ عدد مدارس تحفيظ القرآن فيها في مرحلة ما الى اكثر من 150 الف مدرسة، يلتحق الطلبة فيها وهم في التاسعة تقريبا ويتخرجون منها وهم في منتصف العشرينات! وجل هذه الفترة يخصص لدراسة فروع الدين وكتبه المتعددة والمتشددة، حيث ان دراسة الاصول تتطلب عادة الكثير من الوقت!
ومن هذه المدارس بالذات انطلقت حركة طالبان، تدعمها هذه المرة المخابرات الباكستانية واموال النفط ايضا لتستولي على الحكم في افغانستان وتحتضن بن لادن وعصابته، بعد ان تخلصت من الاطراف الافغانية المتصارعة.
استيلاء برويز مشرف على الحكم في باكستان لم يكن صعبا، فقد كانت الاجواء السياسية تتطلب تحركا ما بعد استفحال الفساد وزيادة عمليات الارهاب والقتل والصراعات المذهبية بين مختلف الاطراف، اضافة الى تعقد مهمة قوات التحالف في افغانستان وفشلها في القضاء النهائي على حركة طالبان، اضافة الى فشلها في القبض على قادة القاعدة، وكل هذا تطلب وجود حكم موال لقوات التحالف في باكستان.
تبين للجنرال مشرف منذ اليوم الاول ان حكم باكستان ليس بالنزهة السهلة. فعلى الرغم من كل مزاياه وقدراته، فإن اعداءه لم يقلوا دهاء وشراسة عنه. وقد تمثلت المعارضة له بصورة رئيسية في القوى السياسية الدينية المدعومة من الشارع المسير من قبل خريجي المدارس الدينية. ومن هنا يبدأ الصراع بين الطرفين، ولا يزال مستعرا ووقوده الانتحاريون من طلبة مدارس القرآن! على الرغم من كل شكوكي وريبتي في كل من يصل الى الحكم بانقلاب عسكري فإنني اجد نفسي مجبرا على تأييد الجنرال مشرف، الذي اعتقد ان غيابه عن المسرح السياسي سيكون في حكم الكارثة ليس على باكستان وحدها بل على مجمل الوضع السياسي والعسكري في المنطقة وبالذات في محيطنا. وسيجد الارهاب العالمي مرتعا سهلا جديدا ليضع بذوره الشريرة فيه.
ولو كنت امثل دولة او حتى شركة عالمية لما ترددت في وضع كل امكاناتي بتصرف الجنرال مشرف، فهو كما يبدو يمثل الحاجز الاخير امام قوى الارهاب، التي ستنفلت من عقالها وعقلها، فور سقوطه.