الجارالله والزيد
'اضراب 60 ممرضا مصريا عن الطعام والعمل.. اضراب اصحاب الرداء الابيض.. الرحيل آخر الدواء.. وكيل الصحة: لن نقبل المساس بحقوق الممرضين.. توقف العمل في عدة مستشفيات نتيجة نقص كبير في عدد الممرضات.
هذه بعض عناوين الصحف التي دأبنا على قراءتها منذ ان قررت وزارة الصحة خصخصة خدمات التمريض في مستشفياتها!.
على الرغم من سلامة قرار الخصخصة لصعوبة استمرار الصحة في ادارة مطابخها وتوفير العدد الكافي من الهيئة التمريضية، اما لعدم توافرها محليا وإما لارتفاع كلفة جلبها من الخارج، فكان لا بد من اللجوء للخصخصة.
ولكن المشكلة كانت ان الصحة، وبالذات في عهد الدكتورين الجارالله والزيد. لم تفرق بين مناقصة جمع زبالة مستشفى، وبين تقديم خدمة تمريضية للمكان نفسه. فقاعدة الاقل سعرا هو الفائز، ولو على حساب المريض والصحة العامة، لا يجوز ان تطبق على كل امر!.
من منطلق الغيرة على مصلحة الوطن قمت قبل سنوات بمقابلة وكيل الصحة حينها، د. عبدالرحيم الزيد، وبينت له وجهة نظري المتعلقة بخطورة التهاون في شروط مناقصات تقديم خدمات التمريض لمستشفيات الصحة. وان الارقام تتكلم بصدق، فالشركات التي تمت ترسية المناقصات عليها سوف لن تستطيع اداء ما هو مطلوب منها، وهو توفير الخدمة التمريضية بالمستوى المرضي، ولن نقول الجيد، بغير اللجوء الى وسائل ملتوية لتغطية خسائرها المحققة!
الوكيل كان صريحا، او هكذا اعتقد، حيث ذكر انه يعرف شغله جيدا، ويعلم ان الشركتين الفائزتين لا محالة خاسرتان، ولكن الوزارة سوف تكون يقظة وستجعلهما تدفعان الثمن!! فقلت له: انت الآن موجود، وامانتك (!!) معروفة، ولكن ما العمل ان خرجت من الوزارة وجاء غيرك؟ فقال: دعنا نتمنى غير ذلك! الوكيل المسكين لم يعلم ان كرسي الوكالة، او اي كرسي في هذه الدنيا، غير دائم، فان لم يخرج بقرار اداري فانه سيخرج بقرار قدري!
ما توقعناه حدث بدل المرة عدة مرات، ولاتزال وزارة الصحة تصر على ترسية العقود على اقل الاسعار.. فما السر؟
بدراسة سريعة لاحد عقود توفير الخدمة التمريضية نجد ان التكاليف الرئيسية المباشرة التي لا يمكن التلاعب بها، كالرواتب والتأمين الصحي والكفالات المصرفية وتكلفة طوابع واختام الاقامة وتذاكر السفر هي بحد ذاتها اعلى من قيمة العقد. ولو اضفنا الى كل ذلك المصاريف المتعددة الاجبارية الاخرى لوجدنا ان خسارة المقاول محققة لا محالة! ولكن الوزارة على علم تام بان المقاول على علم تام ايضا بانه خاسر لا محالة ان تقيد بشروط المناقصة، وهنا تبدأ لعبة القط والفأر.. والغلبة دائما تكون لمصلحة المقاول على حساب المهنة الطبية والعلاج بشكل عام والمريض المسكين بشكل خاص.
اننا على استعداد لمقابلة السيدة وزيرة الصحة لكشف ملابسات الكثير من العقود التي قامت الوزارة بتوقيعها في السنوات الاخيرة، وما نتج عنها من مخالفات ذهبت ادراج الرياح على الرغم من انها موثقة.
ان تعلل الوزراء والوكلاء السابقين بقانون لجنة المناقصات الذي ينص على ترسية المناقصة على اقل الاسعار لا معنى له، وبالتالي فهو قابل للتجاوز عندما يتعلق الامر بصحة المواطن ومصلحة الوطن.