الزيفة والضيفة
لو افترضنا، مجرد افتراض، أن قانون منع المرأة من العمل أقر بصورة نهائية ونشر في الجريدة الرسمية، وهذا ما لا نتمنى حدوثه، لكنا أول دولة في العالم تصدر مثل هذا التشريع الغريب. ولحق لنا بالتالي ابرازه، والتحدث عنه لزائري الكويت، من رسميين وغيرهم، كأحد منجزات المجلس.
كما يفضل تضمين نصه في النشرات السياحية كأحد معالم الكويت، مثله مثل الأبراج والافنيوز.. وبعض النواب!
ولو اقر القانون نهائيا لكنت على استعداد للرهان، بما املك، بان اول من سيخالف بنوده علنا وخفية، ودون موافقة من وزير الشؤون، هم فئة النواب والوزراء الذين اقروه بتلك الصورة المخجلة.
فلدى هؤلاء النواب، والمتخلفين منهم بصورة خاصة، وما اكثرهم، مئات النساء العاملات في بيوتهم. وغالبية هؤلاء النسوة يعملن في ظروف انسانية صعبة ليس اقلها العمل لساعات طويلة في اليوم ولسبعة أيام في الاسبوع ولساعات متأخرة، وحتما لما بعد الثامنة مساء! فهل سيقوم أي من هؤلاء النواب بالسماح لخادماته بالتوقف عن العمل بعد الثامنة مساء والخلود للنوم، خاصة ان نسبة لا يستهان بها منهن مجبرات على القيام من النوم فجرا لغسل سيارات 'المعزب'، ام ان هؤلاء النواب، درءا للمفاسد، سيسعون لدى وزير الشؤون للحصول على موافقته باستثناء خادماتهم من القانون، وان تم ذلك فسيتم من دون موافقتهن طبعا؟!
وماذا عن حفلات العشاء والزواج التي ستقام في صالات الافراح والفنادق، وخاصة تلك التي لا يسمح لغير النساء بالعمل فيها كنادلات، كونها حفلات نسائية وليست رجالية! وهل سيصدر وزير الشؤون موافقة خاصة لكل حفلة؟ وهل سيكترث اي من هؤلاء النواب اصلا بالحصول على موافقة على قيام نساء بالعمل بعد الثامنة مساء؟
من الواضح ان لا احد من هؤلاء 'المشرعين' والوزراء، الذين وافقوا على هذا القانون بقراءتيه الاولى والثانية، اعطى الامر اي اهمية فهم مشرعون واصحاب نفوذ وبإمكانهم الحصول على ما يرغبون من استثناءات، وحتى هذه هم بغير حاجة اليها، لان بامكانهم مخالفة القانون دون ان تطالهم اي عقوبات، ان احبوا ذلك، والامثلة اكثر من الهم على القلب.
من الواضح، وهذه شهادة للتاريخ، نطلقها بتواضع وبغير ذلك، بان لا امل لهذه الامة اليوم ولا غدا ولا بعد غد في النهوض من الدرك المنخفض الذي اختارته لنفسها! وربما.. (وربما كبيرة وصعبة)، يكون هناك أمل عندما تفقر حالنا وينتهي نفطنا ونصبح بعدها مضطرين للعمل والابداع والخلق، ساعتها ربما ستكون لنا فرصة للعمل كمشغلي آلات بسيطة في مصانع الصين والهند.
أليس غريبا، وربما العكس هو الصحيح، ان جميع الدول التي لا بترول لديها كأوروبا والصين والهند وبقية نمور آسيا وأوروبا اصبحت قوى عظمى لانها اعتمدت على عقول ابنائها.. اما نحن، وبقية الدول النفطية، باستثناء اميركا، فقد اكتفينا بالاعتماد على ثرائنا المادي المزيف والمؤقت وبقينا على تخلفنا وعلى اصرارنا باننا على حق وغيرنا على باطل، وكانت نتيجة ذلك صدور مثل هذه القوانين الخرقاء التي ستطيل من تخلفنا؟!
***
ملاحظة: عطفا على المقال الذي تطرقت فيه الى قيام كثير من دول آسيا غير العربية والقارة الهندية بإطلاق تسمية 'عورت' على المرأة، اعلمني صديق قارئ بان المرأة في إيران يشار اليها عادة ب 'زيفه'! وكنت اعتقد بان معناها يعني 'ضيفة'، وهي تسمية لا بأس بها، الا انه بين لي ان معناها 'الضعيفة'! عاشت امتنا خالدة وعاش نوابنا اكثر خلودا!