نعم، لسنا بإنسانيين
نشرت 'القبس' قبل أيام تحقيقا يتعلق بما سمته 'ظاهرة' زيادة عدد الجنوس في الدوائر الحكومية، والجنوس تسمية تم اختراعها، أو استنباطها اخيرا فقط، وتعني الجنس الثالث، وربما هي مشتقة من كلمة 'التجانس'!
ردود المشاركين في التحقيق وتعليقات 'علماء الدين' وعباقرة المجتمع على هذه المواقف و الآراء المتطرفة التي طالب البعض فيها بطرد هؤلاء من وظائفهم، بينت بوضوح مدى جهلهم، أو تجاهلهم للأسباب الفسيولوجية الكامنة وراء وجود هذه الظاهرة القديمة قدم الدهر. كما بينت الردود أن قسوتنا ربما كانت ردة فعل لما نشعر به من ارتباك في طريقة التعامل مع هؤلاء، على الرغم من علم الكثيرين منا أن هؤلاء لم يختاروا طوعا أن يكون هكذا، وخاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي لا تعرف عادة فضيلة الرحمة في مثل هذه القضايا!
كتب التاريخ، الإسلامي وغير الإسلامي، مليئة بقصص هذه الفئة السيئة الحظ من البشر، وبالطرق العديدة التي اتبعت في التعامل معها، حيث كان قطع الرأس أو الحرق هو الأسلوب الأكثر شيوعا في أكثر عصور الإسلام رشدا. وكان النبذ من القبيلة، أو المجتمع، مصير سعيدي الحظ منهم فقط، هذا إذا لم يستغلوا في مرافقة النساء، أو في القيام بالشاذ من الأفعال والأعمال!
استمرت هذه النظرة الدونية، وهذه المعاملة غير الإنسانية تجاه هذه الفئة لفترة طويلة تالية حتى تبين أن طريقة الإفناء والإقصاء لم تجد نفعا. وان تواجدهم في أي مجتمع هو نتيجة طبيعية للتلاقح، أو الإنتاج البشري الطبيعي. فكما أن هناك نسبة غير مطابقة للمواصفات ضمن إنتاج أي مصنع، فإن هناك أيضا نسبة غير مطابقة للمواصفات ضمن عملية الإنتاج البشري، ويمكن تصنيف مشوهي الخلقة، ومن يولدون وأمراضهم معهم ضمن هذه الفئة، إن شاء البعض.
وبالتالي كان مستهجنا ومؤلما، ولكن ليس غريبا، أن نقرأ تعليق أحد حاملي لقب 'دكتور شريعة' ومن الدعاة المعروفين، أن التشبه بأحد الجنسين حرام (!!!) ما هذا الهراء، وكيف يمكن أن يكون أمر لا علاقة ولا يد لطرف فيه حراما. وإذا سلمنا بهذا الرأي الفاسد وقلنا أن التشبه حرام فما الذي بإمكان من له أعضاء أنثوية القيام به للتخلص من هذا الحرام، والعكس مع الفتيات.. هل يقترح مثلا الانتحار، أو الخروج من المجتمع.
وعند سؤال الداعية عن الحل، وطريقة التصرف مع هؤلاء، حار في الجواب ودار وصال وجال ولم يخرج في النهاية بشيء مفيد، لأنه وغيره على علم تام بأن لا حل مع هؤلاء، غير التعايش معهم كما هم، وضمان حقهم في الوقت نفسه في اللجوء إلى مبضع الجراح لتعديل ما خربته الطبيعة! وهذا ما تفعله الكثير من النساء والرجال العقلاء والأسوياء في خلقتهم عند وجود عيوب لديهم تمنعهم من الحصول على الوظيفة المناسبة أو الاقتران بشريك العمر المطلوب، فيلجأون عندها لمبضع الجراح الماهر.
من يقرأ تحقيق 'القبس' كاملا يشعر بأننا حقا بحاجة ماسة لأن نكون إنسانيين أكثر.