أربع حقائق ونتيجة واحدة
الحقيقة الأولى: لم يستطع أي فرد أو جهة، في العصر الحديث على الأقل، القضاء على أي جماعة او اتباع ديانة أو مذهب او قبيلة ما، ولأي سبب كان، على الرغم من كل وسائل الابادة الجماعية التي اتبعت في تلك المحاولات. فقد فشل العثمانيون في بدايات القرن الماضي، في القضاء على الارمن. كما فشل هتلر، في منتصف القرن نفسه وهو في مجده في القضاء على اليهود او انهاء وجودهم في اوروبا. كما فشلت جميع مخططات 'الخمير الحمر' بكمبوديا في سبعينات القرن الماضي، على الرغم من كل مذابحهم، في القضاء على منافسيهم. وفشل بعدهم صدام حسين في خططه القضاء على أكراد العراق او حتى كسر شوكتهم. ولم يكن حظ الاتراك مع اكرادهم بأحسن من حظه.. كما فشلت قبائل الهوتو والتوتسي في رواندا في القضاء على بعضها البعض، وعادوا للعيش سويا بسلام، بعد وقوع مليوني قتيل. كما فشلت جميع محاولات القتل والطرد والتهجير في القضاء على أي فئة في لبنان، وانتهى الامر بالنظام العنصري في جنوب افريقيا للاقرار بالواقع وتسليم الحكم كاملا للفئة نفسها التي حاولوا لعقود القضاء عليها وانهاء وجودها. وكما فشلت حروب صدام وقنابله وغازاته في تحقيق أي من أهدافه، فإن كل محاولات الذين جاؤوا من بعده ورغباتهم في القضاء على اتباع المذهب الآخر المعادين لهم ستنتهي بلا شيء!
الحقيقة الثانية: إن كل ما نراه من صور التطرف المذهبي المتبادل في المنطقة ودعوات وصلوات ومحاولات كل طرف القضاء على اتباع الطرف الآخر لن يكتب لها أدنى درجات النجاح تحت اي ظرف من الظروف، واقصى ما سيتمكن اي فريق من النجاح فيه هو توسيع الهوة بينهم لمصلحة 'قيادات جاهلة' تعمل على ابقاء هذه الخلافات مشتعلة وإذكاء نيرانها بين الحين والآخر لتستمر هي في التمتع بحظوتها وسيطرتها على اتباعها!
الحقيقة الثالثة: لاسباب تتعلق بالنفسية الانسانية من جهة، وبانتشار الجهل من جهة اخرى في مجتمعاتنا بالذات، فان اي تطرف ديني يقابل عادة بتطرف ديني آخر من الجهة المقابلة، او المعادية لها، وكون طائفة ما هي الطاغية في دولة او منطقة ما فإن هذا يدفع باتباعها لان يكونوا اكثر ظلما واساءة للمنتمين للاقليات الاخرى الاقل سطوة او عددا منهم، ولكن هذا ينتج عنه عادة رد فعل اكثر تشددا من الطرف الاضعف ويدفعه دفعا لان يكون اكثر تطرفا في ممارساته الدينية، دفاعا عن معتقده من جهة وعن وجوده بكامله من جهة اخرى.
فعندما كان المجتمع الكويتي متسامحا كان الجميع يمارسون شعائرهم بطريقة تتسم بالكثير من العقلانية والهدوء. ولكن ما ان بدأ تذمر البعض من أفعال الآخرين وتصرفاتهم حتى بدأ التطرف في الممارسات بالظهور والتشدد فيها والاصرار على ادائها علنا وبصورة تمثل قمة التحدي لمعتقدات الآخر.
الحقيقة الرابعة: ان كل محاولات اطراف العداء المذهبي التسفيه او السخرية او معاداة معتقدات الطرف او الاطراف الاخرى لن تؤدي لفت عضد اي طرف او ابعاده عن مذهبه او معتقده بل العكس اكثر رجحانا!
وبناء على هذه الحقائق، فإن كل محاولات التكفير والالغاء التي يدعو اليها الكثير من رجال الدين المتطرفين، لن تؤدي لغير دمار الطرفين، فمن جهة لا تسمح الاوضاع الدولية لاي قوة بالقضاء أو الافناء التام لاي جماعة معادية اخرى، ولأي سبب كان. كما ان اي تطرف او عنف من طرف ما سوف يجد عادة تطرفا او رد فعل مساويا له على الاقل، من الطرف الآخر، وهذا ليس في مصلحة اي مجتمع.
فهل حان الوقت لان ننتبه للخطر ونبعده عنا؟ مرة أخرى اشك في ذلك!