احترام رموزنا بالسلوك الأخلاقي
قام أحد المتدينين في الكويت، الذي يزين بيته بعشرات اللوحات وآلاف المصابيح، والذي يقوم شهريا بصرف آلاف الدنانير على نشر بيانات صحفية وتوزيع فلايرات ملونة تتعلق بشعائر يعتقد بصحتها ووجوب القيام بها بين الفترة والأخرى، قام هذا المواطن قبل سنة تقريبا، وفي أوج 'موقعة' الرسوم الدانمركية، بطبع وتوزيع عشرات آلاف الملصقات التي تحمل اسم النبي محمد داخل رسم لقلب إنسان، وقام الذين حصلوا عليها بوضعها على متاجرهم أو لصقها على الزجاج الخلفي لسياراتهم. لم يمروقت طويل حتى بهت لون تلك الملصقات بفعل الشمس، وربما لسوء طباعتها ورخص ثمنها، فاختفت الكتابة منها بشكل جزئي او كامل واصبح منظرها مثيرا للشفقة ويدعو للرثاء حقا. لا يعلم هذا المواطن وغيره ممن وضعوا تلك الملصقات على مركباتهم ان محبة الشخصيات العظيمة لا تكون بوضع ملصقاتهم على المركبات والتفنن بنقش المأثور من الأقوال على كل لوح زجاج، بقدر ماهو في التصرف الخلقي الحسن واحترام الغير والتقيد بقوانين المرور واحترام حقوق الآخرين.. فما فائدة وضع مثل هذه الملصقات وكتابة الجمل الدينية على زجاج السيارة الخلفي، ليطلع عليها الجميع، ومن ثم القيام بعدها بمخالفة أبسط القوانين وقيادة المركبة على كتف الطريق والتطاول على حق الغير بتجاوز دورهم ورمي الحصى والتراب على سياراتهم العالقة في زحمة السير؟ ما الذي سيقوله غير المسلمين عندما يرون مثل هذه التصرفات الشاذة والرعناء بالذات من واضعي هذه الملصقات، وهل سنلومهم لو ربطوا التصرفات الخرقاء تلك بالدين والتدين؟
قمت قبل أيام بتوزيع قصيدة نثرية على الإنترنت لكاتب مجهول تتعلق بمعاناة شاب ضائع بين التيارات الدينية في مدرسته، جاءني بعدها رد من صديق مهندس فنان قال فيه: إنه قام، وايضا في أوج الرسوم الكاريكاتيرية، قبل فترة بطبع صورة أحد أصدقائه، الذي لا يتجاوز عمره العشرين بكثير، على 'بوستر' وكتبت تحت اسم صديقه 'محمد'، وزين أطراف 'البوستر' بأشكال وزخارف 'إسلامية' وبعدها قام بطبع عدة نسخ من 'البوستر' وألصقها في أماكن عامة متفرقة. لاحظ بعد أسبوع واحد فقط أن يد التخريب والتقطيع قد امتدت الى جميع 'البوسترات'. وهذا أثبت نظرته بأن شيئا ما أصاب عقولنا فيما يتعلق بالطريقة التي نكن فيها الاحترام لرموزنا الدينية، بحيث أصبح وضع صورة شاب عصري في شكله ويحمل اسم 'محمد' على ملصق مزين بزخارف إسلامية كافيا لإثارة مشاعرنا وضغائننا الدفينة، بعد أن تمكنت، أو كادت، عقدة الاضطهاد الديني أن تسيطر على تصرفات الغالبية منا!
إن العالم رحب ومتنوع الألوان والأشكال والميول ويستحق الاختلاط فيه والتمتع بمباهجه وزيادة جرعة المحرمات في حياتنا، التي يسعى اليها الكثيرون، لن تؤدي إلا إلى زيادة ما لدينا من عقد نفسية و'تقلدم' مستمر.