المارد والجمعيات الخيرية
أثناء قيام الرجل وصديقته باصطياد الطيور في منطقة نائية انطلقت رصاصة طائشة من بندقيته وكسرت زجاج أحد البيوت القليلة في هذه المنطقة، قرر الاثنان زيارة البيت لتعويض اصحابه عما اصابهم من ضرر. وما ان طرقا الباب حتى ظهر لهما رجل نصف عار ويشبه المارد في هيئته. عندما شرحا له الوضع ضحك وقال لهما انه مدين لهما بحريته، فقد كان محبوسا في قمقم كان موجودا خلف النافذة فانكسر مع لوح الزجاج. وقال أنه على استعداد لتحقيق امانيهما بتملك اي شيء شريطة قبولهم لطلبه الوحيد! سارع الاثنان وهما مبتهجان، بالموافقة فقال لهما انه حرم من كل ملذات الحياة لقرون طويلة وهو محبوس في ذلك القمقم. وتمنى الآن ان يتزوج المرأة! امتقع وجه الاثنين لدى سماعهما ذلك الطلب، فخرجا من البيت غاضبين ولكن سرعان ما عادا بعد ان تبين لهما عظيم خسارتهما ان هما رفضا طلب المارد!
بعد عودة المرأة سألها المارد عن عمر صديقها فقالت انه يبلغ 35 عاما فقال لها: يبلغ 35 من العمر ولا يزال يصدق ان هناك ماردا وقمقما!
***
على الرغم من انني لا اعمل في المحاماة وغير مطلوب مني تمثيل أحد لدى أي جهة، فان مجموعة الوكالات العامة التي تجمعت لدي على مدى السنوات الأربعين الماضية، من اصدقاء وأهل ومعارف، والتي تخولني حق التصرف بكل ما يمتلكونه من دون الرجوع اليهم. وقام آخرون، ومنهم لبنانيون وفلسطينيون ومصريون، ومن مؤسسي حركة الإخوان المسلمين في الكويت، بتسجيل عقاراتهم في الكويت باسمي!
ولكن، وعلى الرغم من هذه الأمانة 'الخارجية' المتمثلة بثقة هؤلاء وغيرهم بشخصي، وعلى الرغم من ثرائي المادي، فإنني سأكون ساذجا، او غير صادق إن ادعيت بأنني سأستمر في أمانتي ان اتيحت لي فرصة الاشراف على اموال إحدى الجمعيات الخيرية! فالمال السايب، كما يقال، يعلم الحرام. فأموال الجمعيات، على ضخامتها، والتي تقدر بمليارات الدولارات، تدار بحرية كاملة منذ عقود، ولا يحق لي طرح حق الاطلاع عليها. كما نجح المشرفون على غالبية هذه الجمعيات باستثمار وإعادة تحريك تلك الاموال بشتى الطرق والوسائل، حيث اصبح من الاستحالة بمكان معرفة حجمها او مراقبتها بفعالية. كما ان ملكيتها لا تعود لأي جهة كانت، وغير مطلوب، إلا صوريا ونظريا، تقديم أي تقرير او كشف حساب بها. وفوق كل ذلك يحق للمشرفين عليها شرعا، وبموجب نص ديني، أخذ 'نصيب' من تلك الأموال لانفسهم بعد هذا الاعتراف الشخصي بأنني سأكون شخصا ساذجا إن تصرفت بأمانة ان وجدت نفسي مسؤولا عن امر إحدى الجمعيات الخيرية المتخمة بالأموال وجميعها متخم بها و الحمد لله، هل بينكم من لا يزال يصدق ان كل الامور في الجمعيات الخيرية المسيسة على ما يرام، وان اوضاعها سليمة، وان واحدة من تلك الجمعيات، كما ورد على لسان الزميلة غنيمة المرزوق في رسالتها لرئيس تحرير 'القبس' قبل ايام، ستقوم ببناء جامعات عدة في افريقيا بمعدل جامعة كل عام! من يصدق ذلك يصبح مثل ذلك الرجل الذي وردت قصته في الفقرة الأولى من هذا المقال!