توزيع خيرات الأوقاف
لن نعير الكلام الذي كتبه البعض وتهجم فيه على الليبرالية ودافع فيه عن منجزات وزارة الأوقاف فيما يتعلق بمشروع 'نشر الوسطية' أهمية، فهو والهراء سواء!! لكننا معنيون أكثر بمبلغ الخمسين مليون دولار التي رصدت وصرف نصفها تقريبا على مشروع وهمي غير معروف 'راسه من كرياسه'.
فكما هو معروف، ليس لهذا المشروع الغامض أي أدبيات أو قواعد، ولم يسبقه أي تفكير أو تخطيط، بل جاء رد فعل مباشرا لسلسلة اعمال الارهاب التي وقعت في بلادنا بالذات، هذا من جهة، ومن جهة اخرى لإنقاذ رقاب مجموعة من رجال الدين الذين اتهموا وقتها بكونهم وراء تحريض الصبية والمتطرفين الذين ارتكبوا عمليات القتل الارهابية في السعودية والكويت ودول اخرى!!
ولو عدنا الى كل ما كتب منذ بداية الإسلام وحتى الأمس القريب لما وجدنا أحدا سبق ان كتب أو نادى بالوسطية أو حدد مفهومها بدقة!!
فهل الوسطية تعني مثلا التساهل مع المرتد عن دينه وسجنه بدل قتله؟ أم أنها تعني السماح للكتابي بالزواج من مسلمة؟! أم أن الوسطية تعني إسقاط حد الرجم عن الزانية، أو تجريم قطع يد السارقِِ هل سيقترح مؤيدو مشروع الوسطية الاكتفاء بقطع ثلاثة أصابع فقط؟ وماذا عن الوسطية فيما يتعلق بحق غير المسلمين في ممارسة عباداتهم في ديارنا؟ هل سنسمح لكل اتباع ديانة بأن يكون لهم معبدهم في جميع بلاد الإسلام؟ وماذا عن عقوبة غير المسلم المجاهر بتدخين سيجارة في نهار رمضان؟ هل ستخفف الوسطية العقوبة عنه؟ وماذا سيكون موقفنا في الكويت ان طبقنا الوسطية في أمر ما وخالفتنا فيه دول إسلامية أخرى؟ هل سنهتم بالكيفية التي سيفسر بها 'الآخرون' هذا الموقف؟ وهل سيكون ديننا وقتها وسطيا بموجب تفسيرنا أم سيكون عكس ذلك كما رأت الدول الإسلامية الأخرى؟
أسئلة عديدة نطرحها، ومثلها الآلاف، قد تبدو ساذجة وبسيطة في ظاهرها ولكن من الصعب الإجابة عنها بسهولة، فهي تبين من جهة أن لا أحد فكر في مثل هذه العقوبات وكيفية جعلها وسطية من دون ان يخالف ذلك صحيح الدينِ ولا كيف يمكن ان نقنع الآخرين بالوسطية والتظاهرات لا تزال تسير في مدن باكستان مطالبة البرلمان بإعادة النظر في الغاء قانون جلد المرأة المسلمة، أو رجمها بالحجارة حتى الموت، في حال تعرضها للاغتصاب(!!).
ليعتقد من يريد ان يعتقد بأنني وأحمد البغدادي وحسن العيسى وأحمد بشارة وعبداللطيف الدعيج، على سبيل المثال لا الحصر، من المعارضين أو غير المقتنعين بمشروع وزارة الاوقاف المتعلق بنشر الوسطية، فلماذا اذا لم تقم الوزارة بتوجيه الدعوة لنا، ولعشرات الكتاب الآخرين المترددين مثلنا في قبول المشروع، ليحضروا مؤتمرات نشر الوسطية التي سبق ان عقدت في اوروبا واميركا! ولماذا دعي لهذه المؤتمرات عادل وسالم وعبدالحميد كتكوت وحسان حتحوت وغيرهم من كبار وصغار موظفي وزارة الاوقاف المحسوبين على الاخوان المسلمين بشكل اساسي، ولفيف آخر من قادتهم الذين سبق ان اختاروا اوروبا واميركا سكنا لهم ولعيالهم، والذين لا مكسب من وراء دعوتهم غير اسداء المعروف لهم واراحتهم من ضنك ومشقة واجبات وظائفهم؟!
كل ما نريده من دعاة 'الوسطية' والمستفيدين منها والمدافعين عن مبادئها (ان وجدت) افادتنا عن الاهداف التي استطاعوا تحقيقها حتى الآن، وعن الجهات 'الخارجية المعادية' التي تم اقناعها بوسطيتناِ وعن الجهات المحلية والعربية الاسلامية التي نجح المشروع في تغيير فكرها المغالي لما هو قريب من الوسطية! اما عن الملايين التي صرفت حتى الآن على تذاكر السفر ومصاريف الطائرات الخاصة وتكاليف غرف الفنادق الفخمة والتنقل وحفلات الاستقبال وولائم الغداء والعشاء الفاخرة والهدايا والاكراميات والمطبوعاتِِ فلا عزاء لنا فيها، فنحن دولة غنية وهذا الهدر جائز الى ان يقر قانون إسقاط القروض!