الخليج الفارسي أم الخليج العربي؟
شكر مزدوج للزميل والاستاذ خليفة الوقيان على رده على مقالنا عن موضوع تسمية الخليج، وعلى رقي حواره، واود ان ابين اولا ان الاستاذ وانا ربما نكون مخطئين، كما اخطأ الكثيرون غيرنا، في الاعتقاد بأن التسمية السابقة للخليج في الكويت تم الانقلاب عليها، وتغييرها الى 'العربي' بسبب خطاب للرئيس عبدالناصر ذكر فيه اسم 'الخليج العربي' نكاية بشاه ايران!ِِ فقد اخبرني ناصري عتيق، ومن مؤسسي 'المنبر الديموقراطي'، بأن شيئا من ذلك لم يرد في اي من خطب ناصر، وان العكس هو الصحيحِ فقد كان هناك برنامج اذاعي شهير يذاع يوميا من 'صوت العرب'، ويبدأ بفقرة من خطاب ناصر يقول فيها 'هذه عقيدتنا نحن العرب حتى يمتد الوطن العربي من المحيط الاطلسي والى الخليج الفارسي'!
نعود الى الرد على تعقيب الاستاذ خليفة بالقول:
اولا: ذكر الاستاذ خليفة ان وقتنا اثمن من ان يبدد في الجدل حول قضية خلافية تتصل بتسمية ممر مائي، وهذا صحيح، ولكن الاخطر من ذلك، وما يجب الانتباه اليه، هو تسامحنا او استسهالنا لمحاولات تغيير التاريخ نتيجة ردة فعل او عداوة، او ما شابه ذلكِ فهذا الاستسهال في قضية تاريخية هو المقلق اكثر من صحة هذه التسمية او تلكِ وحسب علمي المتواضع، وذاكرتي التي في طريقها لأن تتواضع اكثر مع تقدم العمر، فإن امرا او حدثا تاريخيا جللا لم يطرأ على المنطقة في اوائل ستينات القرن الماضي لكي يستوجب الامر تغيير التسمية التاريخية السابقة التي عرفناها ابا عن جدِ كما اننا، ككويتيين، معنيون اكثر من غيرنا بالحفاظ على استقرار اوضاع المنطقة وتسمياتها الجغرافية، خاصة بعد غزو صدام لوطننا ومحاولته محو اسم الكويت من خارطة العالم!
ثانيا: لا ازال اصر على ان تسمية 'الخليج الفارسي' هي الصحيحة في 'كل الاحوال ومن دون استثناء'ِ وهذا يشبه القول ان تسمية الكويت بالكويت هي التسمية الصحيحة في كل الاحوال ودون استثناء، علما بأن للكويت ولكثير من دول العالم الاخرى اسماء عديدة قديمةِ ولكن هذا لا يعني ان لأي طرف الحق في الغوص في كتب التاريخ واختيار ما شاء من اسماء واطلاقها على هذه المنطقة او تلكِ فوزارة الخارجية الايرانية مثلا لا يحق لها توجيه رسالة رسمية الى وزارة خارجيتنا تحت اسم 'دولة القرين' بحجة ان هذه كانت من تسميات الكويت القديمة، فالكويت اسم تم اعتماده والاتفاق عليه من كل الاطراف المحلية والدولية في عصر المعلومات الذي نعيش فيه، والذي لا يمكن لجهة واحدة فيه تغيير الاسماء التاريخية والجغرافية المستقرة التي تكون لجهات اخرى علاقة بهاِ وبالتالي يصبح ما قصدناه بالقول ان تسمية 'الخليج الفارسي' صحيحة في كل الاحوال من دون استثناء، هو ان كل دول العالم ومنظماته الدولية وخرائطه قد استقرت على هذه التسمية، ورضيت بها منذ قرون، ومن العبث التلاعب بها، بصرف النظر عن تعدد وقدم التسميات الاخرى السابقة على التسمية الحالية.
وربما يكون من المفيد هنا التنويه والاشادة بالكتاب الوثائقي القيم 'اصل الكويت' للكاتب بِ جِ سلوت، الذي ترجمه مركز الدراسات من الانكليزية الى العربية ونشره باللغتين في طبعة فاخرة عام ،1998 حيث تضمن عشرات الخرائط القديمة، وبأكثر من لغة اوروبية، ومنها خريطة الرحالة 'نيبور'، وجميعها تبين ان اسم الخليج المتعارف عليه هو الفارسي.
ثالثا: يقول الاستاذ خليفة: واذا كان جميع المقيمين على ساحلي الخليج من العربِِ افلا يحق لهم ولمئات الملايين غيرهم من العرب المقيمين بين المحيط والخليج اطلاق اسم الخليج العربي على هذا الموقع؟ والجواب بطبيعة الحال 'لا' كبيرة!! فما علاقة عدد سكان الخليج وبقية العرب بتسمية تاريخية اتفق العالم اجمع عليها، الا قلة نادرة منا رأت غير ذلك منذ بضعة عقود فقط؟
اضافة الى اننا عندما عن لنا في الكويت تغيير التسميةِِ هل سألنا الفرد المغربي او العراقي عن رأيه في الامر؟ وهل تم استفتاء الشعب التونسي مثلا في التسمية الجديدة القديمة؟ وماذا عن البرلمانات العربية هل تم الاستئناس برأي اي منها في موضوع التسميةِِ لكي نأتي الان ونتكلم باسم الجميع ونستشهد بعددهم، وكأن الامر تم برضا الجميع وموافقتهم، وعلى هذا القياسِِ هل يحق لنا تغيير اسم البحر الأحمر الى البحر العربي الأصغر!! لا لشيء إلا لأن غالبية الدول المطلة عليه، وملايين العرب من المحيط الى الخليج، يحق لهم بحر عربي اكبر وبحر اخر اصغر؟!ِ وماذا عن بحر العرب ومئات ملايين البشر من غير العرب الذين تطل دولهم عليه؟ هل سنقبل مستقبلا مثلا قيام الهند أو باكستان بتغيير التسمية الى شيء آخر؟
رابعا: لا اختلف مع الأستاذ خليفة على صحة 'غالبية' المصادر التي أوردها عن الأسماء القديمة للخليجِ وهذا لا يغير من الأمر شيئا، فنحن لسنا على خلاف معه حول صحة التسميات القديمة، بل على التسمية الحالية المستقرة، التي اتفق العالم اجمع عليهاِ فمثلا مصر الرسمية الان هي 'جمهورية مصر العربية' وليس 'الجمهورية العربية المتحدة'!
خامسا: جميل من الأستاذ خليفة الاستشهاد بأقوال الرحالة الدانمركي 'نيبور' الذي اكد الصفة العربية لسكان الساحل الشرقي (الايراني) للخليج وانهم يمتلكون السواحل البحرية للامبراطورية الفارسية، ولكن الاستاذ الفاضل نسي، او لم يعلم، أن الخرائط التي وضعها هذا الرحالة بالذات للمنطقة، ومنها الكويت، وردت بها تسمية الخليج الفارسيِ فلم اخذ شيئا لِِ 'نيبور'ِِ وترك اشياء؟
وأخيرا: ذكر الاستاذ خليفة في اخر فقرة من تعقيبه، أنه لا يحسب ان اختلاف الرأي 'بيننا' يفسد للود قضيةِ واقول له هنا إنني اصبحت الآن اكثر ودا له عن ذي قبلِ وليعذرني ان كنت قد قسوت عليه في كلمة هنا أو جملة هناك!
ملاحظة: أخبرني صديق أنه حصل من خلال مزاد عالمي جرى في لندن قبل سنوات، ونظير دفع مبلغ لا يستهان به، على خارطة قديمة ذات قيمة أثرية وتاريخية كبيرة من وضع الرحالة الدانمركي 'نيبور' يعود تاريخها الى عام 1804 ِ وكانت، حتى لحظة وصولها جمارك الكويت، في اطارها العتيق والثمين وصندوقها الزجاجي الرائع، اول خريطة يرد فيها اسم الكويت 'القرين'ِ حيث قام موظف عبقري تابع ل 'رقابة المطبوعات' بالجمارك بشطب اسم الخليج الفارسي المذكور على الخريطة والكتابة بخط قبيح 'الخليج العربي'! وكانت تلك الخريطة الأثرية اولى ضحايا تغيير التسميةِ وصورة الخريطة المشوهة متوافرة لمن يود الاطلاع عليها.