كلام الناس. كره الصفحات الصفراء
في مقابلة قصيرة ونادرة أجرتها إذاعة b.b.c مع الرئيس التنفيذي للمعهد البريطاني - وهو الجهة المناط بها نشر اللغة الإنكليزية في الدول غير الناطقة بها - وردا على سؤال يتعلق بأحسن طرق تعلم اللغة قال ان القراءةِِ والقراءةِِ والقراءة هي الأفضل في التعلم.
* * *
توجد في غالبية بيوت ومتاجر وأكشاك هواتف وغرف فنادق دول العالم، المتقدم والنامي والنائم، مجلدات ضخمة متفاوتة الحجم تتضمن صفحات صفراء متعارف على تسميتها عالميا بلونها أو ال yellow pages، وتتضمن عادة، عشرات الآلاف من اسماء الأفراد والمؤسسات والشركات مرتبة ومبوبة حسب الخدمات أو المنتجات أو الأنشطة الصناعية أو الزراعية أو السياحية أو التجارية، التي يقومون بتقديمها أو ببيعها أو إنتاجها في تلك الدولة، بحيث يسهل على مستعمل المجلد الحصول على ما يبتغي - من منتج أو خدمة - بأسرع وأسهل طريقة وبأفضل سعر ممكن لوجود أكثر من خيار لديه في النشاط أو السلعة الواحدة!
بخلاف متاجر وغرف فنادق دبي، فإن من النادر جدا توفر مجلدات 'الصفحات الصفراء' للاطلاع عليها في اي من فنادق الدرجة الأولى، دع عنك بقية الدرجات، أو في المتاجر وأكشاك الهاتف في الكثير من الدول العربية بالذات، ويعود سبب ذلك، برأيي، إلى كراهيتنا الغريبة لشكل الكتاب ومضمونه أيا كانت محتوياته، باستثناء كتب السحر والطبخ!
لقد سبق ان ذكرنا ان الكثيرين يريدون أو يرون ان من المهم استمرار الصراع العسكري والقتالي بيننا وبين إسرائيل بشكله الحالي، وكل جيل جديد يأتي يعتقد أنه سينجح فيما فشل فيه الجيل الذي سبقه، ولكن بسبب كرهنا 'شبه الفطري' للقراءة وعدم إلمام غالبيتنا بمجريات أحداث التاريخ، فإن الجيل الأخير، والمتحمس دائما للقتال والصراع، يكرر المقولات نفسها ويذهب للحرب للأسباب ذاتها، لأننا، وببساطة شديدة جدا، لا نقرأ شيئاِِ وبالتالي لا نتعلم من اخطائنا ولا نصلح من نقاط ضعفنا، والأخطر من ذلك لا نحاسب المخطئ منا، ولا نحقق في أي هزيمة أو خسارة!
ولو نظرنا الى الجانب الآخر، لوجدنا ان اسرائيل التي تدعي انها المنتصرة في الحرب الأخيرة لم تسلم بهذا الأمر على علاته أو تفقدها النشوة عقلها، بل هي تكاد تنفجر غيظا مما أصاب قواتها وكرامتها وهيبتها العسكرية من اهانة، على يد حزب صغير في دولة ضعيفة مفككة، وربما ينتج عن ذلك خسارة ثلاثة من أكبر قادتها العسكريين والسياسيين حياتهم السياسية، الى الأبد، إن وجدوا مقصرين في اداء واجباتهم، ومن هؤلاء رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان، فهل بيننا، من سياسيين وعسكريين ومدنيين وحتى موظفين في مصلحة 'التمباك'، وطول الستين عاما الأخيرة، من 'أخضع' للمساءلة والتحقيق في أسباب أعظم الكوارث والهزائم العسكرية التي حلت بنا منذ قيام اسرائيل وحتى اليوم؟
من المحزن ان نقر بأن اسرائيل هي التي انتصرت وهي التي ستنتصر دائما عليناِِ طالما بقينا على اصرارنا بأن في الإيمان خلاصنا، وفي الحماس نصرنا، وفي الشجاعة تحررنا! اما المحاسبة والتحقيق وقراءة التاريخ وتعلم الدروس، فإننا نتركها للآخرين!