النفس الطويل في التفاوض
هل سأل أحد منا نفسه لماذا تفشل دائما محاولات الوحدة بيننا كدول أو أفراد؟
ولماذا نصاب بالعجز والإرهاق في منتصف اي مباحثات تجارية أو حدودية نقوم باجرائها بيننا أو مع الغير؟ أو لماذا تطول وتطول وتتعقد دائما المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين مثلا؟
قد يعود سبب ذلك باعتقادي الى طريقة تربيتنا من جهة ولطرق التدريس السائدة! فنحن شعوب، كما هي حال غالبية المؤمنين بالغيبيات من سكان الصحارى الرملية أو الجليدية، لا طاقة لنا ولا جلد على مناقشة التفاصيل والاجراءات الروتينية الصغيرة أو الدخول في ترتيبات دقيقة للكثير من الامور التي تبدو لنا واضحة وبديهية ولا تتضمن أي مخاطر مستقبليةِِ وبالتالي لا نود ان نعرف أن 'الخطر'، يكمن دائما في التفاصيل الصغيرة والدقيقة لأي عقد او اتفاقية!
كان لابد من هذه المقدمة الطويلة قبل الدخول في موضوع الطريقة التي اتبعتها 'نخبة' المجتمع، من نواب مجلس الامة، لفرض خياراتها على الحكومة وبقية الناس فيما يتعلق بموضوع تأسيس شركة هواتف ثالثة! فلسان حالهم النابع من 'الذكاء الفطري' لغالبيتهم، بين لهم انه طالما كانت هناك شركتا اتصالات تحققان ارباحا مجزية لمساهميهما فان تأسيس شركة ثالثة سوف لن يؤدي بالضرورة الى اكثر من اعادة 'قسمة' ارباحها على ثلاث شركاتِِ هكذا بكل بساطة وسذاجة اقتصادية متناهية!
ولو صحت هذه المطالبة او النظرية فسيأتي وقت ليس ببعيد يطالب فيه نواب 'أفذاذ' اخرون الحكومة بضرورة انشاء شركة اتصالات رابعة مخصصة للارامل والايتام مثلا لتقاسم الشركات الثلاث ما تحققه من ربح مجز في السوق المحلي، ولا احد يعرف اين سيتوقف اطار المطالبات مستقبلاِِ وما هكذا تورد الإبل!
هل لا يزال هناك من يتذكر منحة المائتي دينار التي سبق ان عارضنا، وزملاء اخرون، بشدة توزيعها على المواطنين؟ قلة لا تزال تتذكر ذلكِ فاجمالي مبلغ المنحة والذي قارب المائتي مليون دينار والذي قسم الى مليون شريحة تقريبا، جعل قيمة كل شريحة تافها بأي معيار استثماري أو تجاري، وهذا ما دفع غالبية من حصلوا عليها لصرفها على التافه من الامور، وهذا ما حصل ايضا لآلاف التركات الضخمة التي تفتتت نتيجة خلاف او صراع بين الورثة، والامثلة اكثر من ان تحصى!
ولكن لو فكر المعنيون بالامر في حينه في انشاء صندوق استثماري برصيد المائتي مليون دينار، التي وزعت على المواطنين وذابت بين ايديهم هباء، لكنا اليوم، وبعد اقل من عام، نجني ربح ذلك الصندوق.
ما نود قوله هنا ان تأسيس شركة هواتف ثالثة، دون قيام جهة محايدة ومتخصصة بدراسة جدواها من الناحية الاجتماعية والاقتصادية امر غبي وبعيد عن الحصافة تماماِ فتوزيع اسهم الشركة الى شرائح متناهية في الصغر على مشتركي التأمينات الاجتماعية سيدفع بنسبة منهم للاقتراض لتمويل مساهمتهم، وسيدفع بنسبة اخرى لاستغلال مدخراتهم لتمويل مساهمتهم، وسيتبين لهم جميعا في نهاية الامر ان ما خصص لهم من اسهم لا يستحق الاحتفاظ به وسيقومون بالتالي ببيعها بابخس الاسعار لتنتهي في نهاية الامر الى ايدي عدد محدود من المستثمرين الكبار، وبالتالي تخرج غالبية المواطنين من 'المولد' بلا حمص ولا متبل، وقد تكرر هذا السيناريو في الماضي وسيتكرر مستقبلا مع كثير من الشركات المساهمة!!
لقد سئمنا حقا سلق القوانينِ ومؤسف ما نراه من تدخل بعض النواب في امر يخص صلب صلاحيات الحكومة، وكأنهم اكثر دراية ومصلحة بالمواطنين من اي طرف اخر، والعكس مع الاسف اكثر قربا للواقع.
***
ملاحظة: في معرض انكار احد 'الكتاب' المتأسلمين لتهمة الاساءة إلى شخصية دينية معادية له، فقد كتب واصفا نفسه بأنه من 'اصدق الصادقين'! ودقي يا موزيكا!