السعادة والألم واليهود
بقدر سعادتي لقيام 'القبس' بنشر البحث الأولي الذي قمت به عن أسرة صالح وداوود عزرا 'الكويتي'، وهي من الأسر اليهودية التي قدمت مع بداية القرن التاسع عشر من العراق للعيش في الكويت، آلمني قيام محرر صفحة فنون في العدد والمكان نفسيهما بنشر مقال للكاتب أحمد ناصر عن تاريخ اليهود في الكويت، وعن تاريخ الفنانين صالح وداوود الكويتي، اعتمد فيه بشكل رئيسي على ما نقله من طرف آخر، كما قام محرر الصفحة بوضع صورتين (من أصل الصور الأربع التي أرفقتها مع بحثي) مع مقال الكاتب أحمد ناصر، ومن الواضح ان نص مقال الزميل أحمد ناصر قد كتب بعجالة ومن دون تدقيق، وكأن كاتبه أراد الاساءة الى الفنانين، والتقليل من أهمية ما كتبت.
فقد بدأ مقاله بمجموعة من المغالطات والاخطاء التاريخية التي فضحت جديته، فالفنان صالح الكويتي لم يكن فنانا عربيا، كما ذكر، كما انه ليس بالاسرائيلي حاليا! فقد كان فنانا يهوديا عراقيا ولد وأخاه داوود في الكويت وعاشا فيها ردحا من الزمن وحملت عائلته اسم الكويتي تحببا وتقربا للوطن الذي آواهما والذي ولدا فيه، كما اطلق أبوهما اسم 'صباح' على اخيهما الأكبر تيمنا بالأسرة الحاكمة، وتوفي داوود في السبعينات من القرن الماضي، وصالح في منتصف الثمانينات! وبالتالي فالفنان صالح ليس بمواطن 'إسرائيلي' حاليا، فقد توفي منذ عقود!
كما ورد في مقال أحمد ناصر ان صالح توفي قبل ثلاثين عاما، اي في منتصف الستينات(!!) وهذه مغالطة تاريخية أخرى، فقد توفي في الثمانينات، ولو توفي في الستينات لكانت الفترة أربعين عاما، وليس ثلاثين عاما!
وورد في المقال ان 'شلومو'، ابن صالح الكويتي، الذي جمع أغاني والده في عدد من ال cd يجهل أصول الأغاني التي يقدمها، ويعتقد خطأ أنها لوالده، بينما هي أغان تراثية قديمة وفولكلور كويتي قديم! وان مجرد بقائها في ذاكرة الأجيال تعني انها أغان أصيلة!
لا اعرف لماذا لم يقم الكاتب أحمد ناصر، أو من قدم له تلك المعلومات بدحض ادعاءات جامع ال cd عن طريق ذكر أسماء المطربين الحقيقيين الذين يعرفهم، والذي يعتقد أنهم وضعوا ألحان تلك الأغاني، من كويتيين وغيرهم!
ومن جهة اخرىِِ ما المقصود بالفن الأصيل؟ إنه تعبير فارغ لا يحمل اي مضمون دقيقِ فما هو اصيل بالنسبة لطرف قد لا يكون كذلك لطرف آخرِ ومن هي الجهة التي يحق لها ان تحدد اصالة اغنية من اخرى؟ وهل اصبحت الكويت 'سالزبورغ' او فيينا اخرى لكي نشتط في التفاخر بفنوننا 'الأصيلة'؟
اما اكثر ما آلمني في المقال فقد كان ذلك الجزء الذي تعلق منه بأصول اسرة صالح وداود الكويتي، حيث ذكر الكاتب على لسان السيد يعقوب الغنيم، الباحث في التراث الكويتي، بأنهما لم يكونا من اهل الكويت! بل جاءوا من العراق وعملا بعد فترة في الخمر، وافسدا بين الكويتيين مما دفع بالسلطات الى طردهما من الكويت!
لا اعلم اسم فرد واحد او اسرة نبتت في الكويت وخرجت من باطن ترابها! وما ورد في المقال ينضح عنصرية، واكتفي هنا بالرد الذي كتبه الزميل عبداللطيف الدعيج في عدد السبت 12/3 عن هذا الموضوع نفسهِ علما بأنني على ثقة، من واقع ما سمعته من جدي ومن آخرين من رجال كبار في السن يشهد لهم بالمعرفة، بأن جميع اليهود الذين تركوا الكويت لسبب او لآخر، لم يتركوا وراءهم اي ضغائن او علاقات سيئةِ كما قامت فئة التجار منهم بسداد كامل ديونهم للغير وتسوية اوضاعهم بشكل مرضِ وكل ما يشاع عن سوء تصرفاتهم لم يكن يزيد عن سوء تصرفات اي مجموعة او اقلية اخرىِ نحن احوج ما نكون، في هذا الزمن الاغبر الذي نعيش فيه، الى حد ادنى من التسامح مع الآخر، ايا كان هذا الطرف الآخرِ فربما نستطيع من خلال هذا التسامح رؤية الأمور على حقيقتها، بعد ان نجح تعصبنا في حجب الكثير من الحقائق عنا وعن رؤية الجانب الطيب والحسن لدى الطرف الآخر.