قدور تلد وأخرى تموت
تقوم مؤسسات الضمان الاجتماعي والنقابات وشركات التأمين على الحياة باقتضاء رسوم او اقساط شهرية من المشتركين فيها، وهم في شبابهم وعافيتهم، واستثمار تلك الرسوم والاقساط بطريقة مجدية، ومن ثم الصرف عليهم من عوائدها عند تقاعدهم، أو عند وقوع حادث لهم يمنعهم من العملِ ولكن التاجر - في اي تجارة كانت، والمضارب في سوق الاوراق المالية بالذات - لا يتمتع بهذه الميزةِ وتقع عليه بالتالي مسؤولية اتخاذ اجراءات التحوط اللازمة، وعدم المخاطرة بنسبة معينة من ارباحه لمواجهة الخسائر المستقبلية فور وقوعها.
وحيث ان المستثمرين في سوق الاوراق المالية لا يقومون بمشاركة الحكومة، او شركات التأمين، أي في ارباح يقومون بتحقيقها وقت الرخاء، فمن البديهي توقع عدم لجوئهم إلى اي منها، والمطالبة بتدخلها عند انخفاض الاسعار.
وعليه، فإن المطالبات الشعبية والنيابية بتدخل الحكومة لإنقاذ سوق الاسهم، وردود الفعل الحكومية 'الايجابية' على هذه المطالبات تعتبر خطيرة، وفي غير محلهاِ فالخسائر الاخيرة التي اصابت المتداولين في البورصة، وانا وشركاتي وشركائي ومحافظي منها، كانت متوقعة، ومنتظرة من الكثيرين، في ظل التصاعد الرهيب والمتسارع الذي شهدته اسعار غالبية الاسهم في الفترة الاخيرة، والتي كانت في معظمها على غير اساس.
ان احدا لم يجبر اي طرف على تسييل امواله، او الاقتراض من الصاحب والاهل والبنوك، ومن ثم المخاطرة بكل ما يملك في سوق لا يعرف عنها شيئا غير موقعها الجغرافي! وبالتالي، فإن المطالبة بتدخل الحكومة لإنقاذ هؤلاء المضاربين، واستجابة الحكومة لهذه المطالبة تعتبر عبثا ما بعده عبث، وستكون له نتائجه الخطيرة اجتماعيا واقتصاديا، حيث ستعطي الاشارة الخاطئة، والخطيرة لكل من هب ودب لأن يدخل السوق مضاربا، فإن ربح، فالربح كله له، وان خسر، فإن الحكومة ستتدخل بطريقة أو بأخرى 'لانتشاله'!
اقول ذلك ليس شماتة وتشفيا فيمن خسر، ولا حسدا من نتيجة تدخل الحكومة، وذلك لأنني اعتبر نفسي، وما ادير من اموال شخصية وللغير، من المتعاملين النشطين في البورصةِ ولكني اقول ذلك خوفا من تبعات هذا التدخل!ِِ ولكن من يسمع ومن يصدق؟ لست أدري؟
***
اقترض 'جحا' اناء طبخ من جاره، واعاده له بعد فترة وبداخله طاسة صغيرة، وعند سؤاله عنها قال إن الاناء ولد طاسة لديهِ اعاد الكرة مع جار آخر، واعاد الاناء له بعدها وبداخله ملعقة كبيرة، وقال له ان الإناء ولد لديهِ وكرر الفعل مع جار ثالث ورابع، فتكالب بقية الجيران عليه بمختلف اواني طبخهم وقدورهم يبغون من جحا الاحتفاظ بها لكي تلد عنده، وهم يسخرون ويتضاحكون بينهم على غفلته وغبائه.
وعندما تراكمت الاواني لدى جحا، رفض اعادة اي منها لهم بحجة انها ماتت! وهنا قامت تظاهرات احتجاجية امام بيت جحا، تشبه تلك التي حدثت امام البورصة يوم الاربعاء الماضي، تطالبه برد اواني طبخهم وتسخر من ادعائه بأنها ماتت لديه، فالاواني لا تموت!
وهنا خرج جحا لهم وقال: عندما اخبرتكم بأن اوانيكم تلد لدي لم يرفض اي منكم ما قلت، بل قام كل واحد منكم بأخذ آنيته، او رأس ماله، وطاسته الصغيرة، اي ربحه، دون سؤال، وعندما اخبرتكم بأن آنيتكم قد ماتت قمتم بالاحتجاج بأن الاواني لا تموت.
فيا كبار ومتوسطي وصغار المتعاملين في السوق يا من حققتم ارباحا لم تتساءلوا قط عن كيفية تحقيقها، عليكم الآن بقبول فكرة الخسارة لسبب لا تعرفونه!ِِ هكذا يقول المنطق!! ولكن هل بقي لدينا شيء منه؟
***
ملاحظة:
أرسل أحد القراء الدعاء التالي: اللهم اعوذ بك من سهم لا يدفع ومن توزيع لا يرفع ومن مساهم لا يقنعِ ويا مدبر الامور دبر بورصتنا ويسر أمور مشترياتنا ولا تدع سهما إلا رفعته ولا مساهما إلا اغنيته، وزد من ارباحنا وعلق اسهمنا وعدل مدير بورصتنا وارحم المتداولين والمتداولات منا اللهم آمين.