شارع حمد
فور سماع 'حمد' لنبأ احتلال وطنه الكويت من قبل قوات صدام حتى سارع الى البنك القريب من سكنه في ألمانيا ليحول الشيكات السياحية التي كانت في حوزته الى نقدِ وهناك قام موظف البنك بتسليمه قيمة الفئة الأولى منها، وعندما هم بصرف الباقي رن الهاتف الذي كان في جانبه وبعد ان رد على المكالمة اعاد الموظف لحمد باقي شيكاته السياحية قائلا: انت شخص محظوظ اليوم!! لقد كان ذلك مديري يطلب مني عدم قبول صرف اي شيكات سياحية صادرة عن الكويت!! وانت الآن صرفت نصف ما لديك ولا تزال في البنك، ومن حقي ان اطلب منك اعادتها، ولكن نظرا للظروف التي تمر بها فانني لن افعل ذلك!!
خرج 'حمد' من البنك سعيدا وطلب من عائلته ان تحزم حقائبها لانه عائد الى الرياض حيث اقاربه، وليكون قريبا من الكويت عند تحريرها.
وهناك في العاصمة السعودية، التقيت به مع شباب اخرين، وبحكم السن والخبرة المصرفية والتجارية كنت مسؤولا عن الفريق الذي تطوع لصرف مبالغ الاعاشة لاكثر من مائة ألف 'لاجئ كويتي' في مدينة الرياض وما حولها من مدن وقرى نجدية!! وكنت وحمد نتبادل مهمة التوقيع على شيكات الاعاشة التي كانت تصدر عن حساب اللجنة على مصرف الراجحي.
بعد شهرين او اكثر قليلا من عملي في 'لجنة الاعاشة التطوعية' وبعد ان انضم لنا الشيخ محمد السلمان الصباح، وكان معنا محمد العصفور وسعد الدعي ومنصور ششتري وخالد المعوشرجي والعشرات غيرهم من الرجال المخلصين والشرفاء، وبعد ان طفح الكيل بي وبعائلتي التي كانت 'مسجونة' طوال الوقت بين جدران فندق 5 نجوم، وبعد ان بدأت اعمال اللجنة تسير بسلاسة ويسر، قررت الاستقالة من عملي في اللجنة والتوجه الى دبي للعمل بها في أي مجال تجاري.
تركت خلفي 'حمد'، وكان اكثر اعضاء اللجنة مثابرة وحضورا واخلاصا في عمله الذي لم يكن يستفيد منه شيئا، ونصحته في اخر يوم عمل لنا معا ان لا يرهق نفسه، 'فصحته ألزم ما عليه'، ولكنه قال ان الأمر بيد خالقه، وتركته وإمارات الارهاق كانت واضحة على وجهه في ذلك اليوم!!
بعد عام من تحرير الكويت اخبرني صديق مشترك بانه تعرض لوعكة صحية شديدة وانه ادخل الى المستشفى، وانه كان مريضا جدا عندما كان في الرياض، وانه اشرف على الموت هناك.
سألت عن عنوان منزله وزرته للسلام عليه ولاستذكار ايامنا في الرياضِ وهناك وجدت رجلا غير الذي كنت اعرفه في الرياض فقد نال منه المرض وهد حيله، فذكرته بنصيحتي فهز رأسه آسفا، ولم يقل شيئا!!
يوم الاربعاء الماضي، وبعد صراع طويل مع المرض، توفي الصديق حمد ابراهيم النخيلان المواطن النظيف والمدير السابق في بنك التسليف والادخار بعد صراع وآلام عن عمر لم يتجاوز 56 عاما فقط، وكان اخلاصه لعمله وتفانيه غير المحدود في خدمة واعالة واعاشة عشرات آلاف الكويتيين في الرياض اثناء فترة الغزو السبب فيما اصيب به من مرض خطير اثر في صحته وعجل بوفاته في تلك السن المبكرة.
الرحمة لك يا 'حمد' فقد كنت انسانا مثاليا، ولا ادري حقا من يستحق اكثر منك ان يطلق اسمه على شارع في الكويت، فقد كنت عونا للمئات وجنديا مدنيا صامتا في خدمة وطنك في احلك ايامه!!