جمعية الكتب السوداء
اثناء زيارتي لمريض في جناح الاعصاب المخصص للأطفال في مستشفى ابن سينا، واثناء تجولي في الجناح، رأيت في احدى الغرف مجموعة كتب ملقاة على أرفف مخصصة لجمعية 'رعاية المرضى'ِ كما وجدت نسخا متفرقة منها في غرف الاطفال المرضى موضوعة مع نسخ من القرآن، وكانت عناوين تلك الكتب: من ينصف المرأة؟ بشراكم اليوم الجنة، مسؤوليات المرأة المسلمة، الطريق الى الحياة، اختاهِِ رمضان فرصة للعودة لربك، نعم للعفاف لا للشهوات، فوائد المرض، وسيلة لاستغلال شهر رمضان، صنائع المعروف تقي مصارع السوء، قطوف رمضانية، اصناف الناس في رمضان، الدرة الدينية المختصرة، كيف نستفيد من رمضان، انما الجزاء من جنس العمل، مفكرة الاعمال الصالحة، داء الحسد ودواؤه، ايها العاصي، القرار القرار يا امة الجبار، عذاب القبرِِ وعشرات النشرات والكتب الاخرى التي تقوم جمعية رعاية المرضى باستبدالها بغيرها، ولكن على النمط نفسه، حسب الموسمِ كما توافرت مجموعة اخرى من الكتب باللغات الهندية والمليالا والسيلانية، وكلها كما يبدو من رسوم اغلفتها، تدور حول المواضيع نفسها.
من المعروف ان 'جمعية رعاية المرضى'، هي التي تقوم باختيار مواضيع هذه الكتب وطباعتها وتوزيعها على اجنحة المستشفيات والعيادات والمختبرات الطبية، وهي في سبيل ذلك، تدفع اموالا طائلة لتأليفها وطباعتها وتوزيعها، وغالبية هذه الاعمال تتم مع اطراف محسوبة على تيار الجمعية الديني المتشدد، يتم كل ذلك على الرغم من ان الاهداف الاصلية والاساسية التي تأسست من اجلها الجمعية لم يكن من بينها مثل هذه الاعمال، بل هي انشئت لتقديم المساعدة المالية والرعاية الاجتماعية للمرضى واهاليهم، وبالذات من غير الكويتيين، والذين تضطرهم الظروف للبقاء في المستشفى لفترات طويلة، والذين لا مورد ماليا لديهم، لكن هذه الاهداف تغيرت مع الوقت، و'نسخت' مع الزمن بأهداف اقل اهمية واكثر تسيسا.
ان مرضى المستشفيات بغير حاجة حقا الى كتب الجن، وعذاب القبر، فهم لديهم ما يكفيهم من الألم والشكوى والعذاب، وما هم بحاجة اليه حقا هو الترفيه الحقيقي والفائدة المباشرة في مواضيع تتعلق بالنظافة والوقاية من الامراض واستعمالات الادوية والاسعافات الاولية، وغسل الخضراوات وتعقيم المياه وغير ذلك المئات من المواضيع المفيدة التي يجهلها الكثيرون، وتصبح عظيمة الاهمية لمن تضطره الظروف للمكوث في المستشفى بسبب جهل او عدم ادراج لعادة غير نظيفة، او سلوك طبي غير سليم.
لا اعتقد ان نصيحتي ستجد صداها لدى اي من اعضاء الجمعية المسيسة حتى النخاع، ولكن اتمنى على مسؤولي المستشفيات والمستوصفات والعيادات الطبية توجيه الرسائل لمسؤولي تلك الجمعية، والطلب منها تنويع مواضيع كتيباتها ونشراتها فيا يفيد المريض في دنياه على الاقل، هذا لكي لا يقولوا عنا إننا طالبنا بإزالتها كلها.
للعلم، كان بين تلك الكتب ونسخ المصحف منشور سبق ان قام احد غلاة المتشددين بكتابته وطباعته قبل ايام بعنوان: 'الرد الفصل على نبيل الفضل!'، ولا ادري كيف وافقت ادارة المستشفى على توزيعه في غرف المستشفى،ووضعه مع ضمن المصاحف، وكيف وافقت جمعية رعاية المرضى على توزيعه ووضعه ضمن مطبوعاتها على الرغم من كل ما تضمنه من اساءات وافتراءات يعاقب عليها قانون المطبوعات.
***
ملاحظة:
لم أتوقع كل ذلك الاستحسان، والاستهجان ايضا لمقال الخميس الماضي عن الاغاني المنسية! للمعترضين اقول إنني لم اقصد السخرية او التقليل من جهد اي طرف في مجال البحث في تراث الكويت الغنائي، بل كان هدفي انتقاد صمت الحكومة وتواطئها مع قوى التخلف على طمس هذا التراث، وتجنب اذاعته او بثه في التلفزيون، لا لشيء الا لعدم انسجامه مع اذواقهم، نشكر الباحث السيد يعقوب الغنيم على اهدائنا نسخة من بحثه الغني والقيم في 'الاغاني في التراث الشعبي الكويتي'.