دور اليهود الفني في الكويت
يتحفنا الباحث في التراث، الزميل يعقوب يوسف الابراهيم، كعادته بين الفترة والاخرى ببحث جاد ومفيد في موضوع شائقِ وقد كانت سلسلة مقالاته الاخيرة عن 'تاريخ اليهود في الكويت' ضمن هذا السياق المفيد.
فقد تبين من تلك الصفحات المنسية ان اليهود سبق ان قدموا إلى الكويت من العراق لأسباب اقتصادية، وخرجوا منها للأسباب نفسها، ولكن ربما يكون من الجدير ذكره ان اعلان قيام اسرائىل في عام 1948 كان له ايضا دور في الاسراع برحيلهم من الكويت.
بين الزميل الابراهيم في تلك الحلقات كم كان المجتمع الكويتي متسامحا في ايامه تلك، وكم كان مرحبا بشتى طوائفه وجماعاته بالغريب، لأنهم كانوا هم ايضا في يوم ما من الطارئين على هذه الارض الطيبة.
وقد تطرق الباحث في الحلقتين 3 و4 لتاريخ فن الغناء في الكويت في بدايات القرن الماضي، وخاصة الى الجزء المتعلق منه بالدور المهم الذي قام به الاخوان 'صالح وداود عزرا الكويتيان'، في تطوير فن الغناء في الكويتِ كما تطرقت الحلقات كذلك الى دور الاخوين في تطوير الغناء في بغداد التي ذهبا للعيش فيها بعد مغادرتهما الكويت في نهاية عشرينات القرن الماضيِ وقد فوجئت بأن اكثر الاغاني العراقية القديمة التي كنا، ولا نزال نحب الاستماع لها و'ندندن' ألحانها بتلقائية جميلة، هي من وضع الاخوين 'عزرا' مثل اغنية 'قلبك صخر جلمود ما حن علي'، و'يا بلبل غني لجيرانك، غني واسمعهم ألحانك، فبنيتهم سرقت قلبي'ِِ إلخِ كما قاما بتلحين اغنية 'يا نبعة الريحان' التي استقى منها محمد عبدالوهاب لحن اغنية 'يا للي زرعتوا البرتقان'، ووضعا كذلك ألحان اغنية 'ملك الغرام'، التي شدا الكثير من مطربي الكويت الاوائل بها.
وعلى الرغم من انتماء صالح وعزرا لليهودية، فإنهما لم ينسيا قط مسقط رأسيهما الكويت، حيث قاما في جانب بوضع ألحان العديد من الاغاني، مثل 'العين هلت دمعها'، والتي غنتها نرجس شوقي، كما قاما بإعادة توزيع الصوت المنسوب لعبدالله الفرج في اغنية 'في هواك بدري وزيني' وسجلاها، بعد اعوام قليلة من مغادرتهما الكويت، على اسطوانات صلبة، وهذا اللحن هو نفسه الذي غناه بعدها بنصف قرن المطرب عبدالحليم حافظ في اغنية 'يا هلي يكفي ملامي'ِ وفي جانب آخر، لم يحاول اي من الاخوين وابنائهما من بعدهما بعد هجرتهما للعيش في اسرائىل، تغيير لقب عائلتهما 'الكويتي'، وذلك في مبادرة وفاء لبلد ولدا ووجدا فيه طيب العيش وحسن المعشر والتعامل.
وهكذا يمكن القول، حسب رأي الباحث الابراهيم، ان صالح وداود الكويتيين كانا مدرسة موسيقية بنيت قواعدها، ورصت مداميكها في الكويت، واشرف على غرسها الفنان الكويتي خالد البكر الى حين وفاته في عام ِ.1925 وهذا يبين بوضوح ان المجتمعات المتسامحة هي التي بإمكانها خلق الحضارات، وليس ما نراه الآن من غث القول ورداءة الاداء، وسواد النفوس التي كلت من التشدد غير المبرر!
وبمناسبة الضجة التي تثار بين الفترة والاخرى من قوى التخلف، النيابية او من ممثلي الاحزاب الدينية، على حضور بعض الفنانين لإحياء الحفلات وادخال السرور الى قلوب المواطنين، فإننا نحيلهم الى بحث الزميل الابراهيم الذي بين فيه تفاصيل حفل الزواج الشهير الذي اقامه الشيخ مبارك لأفراد من عائلته بمناسبة زواجهم، والذي استقدم من اجله فرقة مكونة من 12 موسيقيا يهوديا من البصرة لمشاركته في افراحه العائلية.
وسيكون موضوع المقال القادم مجموعة الاغاني الكويتية التي توقفت وسائل الاعلام الحكومية، من اذاعة وتلفزيون، عن بثها، بعد ان اختفت اشرطتها، واسطواناتها من السوق المحلي، وكأن احدا ما يود ان يمحو كلماتها وألحانها من ذاكرة الناس وقلوبهمِِ وهذا ما سيحدث ان لم تقم جهة ما، كالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالحفاظ على هذا التراث واعادة احيائه.