لكي يعود الإدراك إلينا
لا بد أن هناك خللا ما، إما في فهمي، أو في ما قرأته، على مدى شهر رمضان، في إحدى الصحف عن الأوضاع والحالات البائسة التي يعيشها البعض في الكويت، سواء من المواطنين (!) أو من البدون أو من المقيمين! الريبورتاج الصحفي عن حالة محددة استرعت انتباهي، وكانت تلك التي تعلقت بالظروف المأساوية التي يعيشها مؤذن مسجد مع زوجته، أو زوجاته، وابنائه الاربعة عشر (14) في كوخ من الصفيح بجانب المسجد الذي يؤذن من على منارته! وقد ذيل التحقيق الصحفي عن حالة ذلك المسكين، وحالة من سبقه ممن كتبت عنهم تلك الصحيفة، اسم ورقم هاتف لجنة زكاة الصليبية!
لا اعرف الغرض من نشر مثل هذه الحالات، وأين عشرات الجمعيات التي تدعي العمل في المجالات الخيرية من هذا 'المؤذن'؟ واين ذهبت ملايينها ان لم تكن تصرف على هذا المؤذن وعلى غيره؟ وإذا كان مؤذن مسجد يعيش في مثل هذه الظروف غير الانسانية والبائسة حقا، والجمعيات الخيرية تحيط به احاطة السوار بالمعصم، فما هي اذا حال بقية الفقراء والمساكين في هذا الشهر بالذات، من غير طبقة المؤذنين، ومن غير المسلمين؟
ولماذا تقوم جمعية مهمتها عمل الخير، وتورد رقم هاتفها في التحقيق، بنشر صورة ذلك الرجل، بلحيته الكثة، وصور ابنائه، وصور الكوخ القذر الذي يعيشون فيه؟ هل لكي تقول لنا إنها فشلت في ان توفر له الحياة الكريمة؟ اما انها تستغل وضعه البائس لكي تستدر عطف الآخرين في جمع الاموال 'الرمضانية' السهلة، والتي لن تعرف اي جهة في اي مجال او مكان ستصرف؟
ان قصص الفقر ومناظر البؤس التي اوردتها الصحيفة في جميع تحقيقاتها بينت كم هي غير صحيحة ادعاءات بعض الجمعيات بانها تهتم بالفقير وتعين المحتاج! فإن كان هذا صحيحا فلماذا لا تزال تعيش بيننا مثل هذه الحالات؟ ولماذا نهتم كثيرا بهداية غير المسلمين لديننا، وننسى في غمرة ذلك الاهتمام بأحوال فقراء المسلمين بيننا؟ ولماذا نذهب الى بلدان بعيدة لاعانة مسلميها، واحوال فقراء المسلمين بيننا، ومن مؤذني المساجد، وغيرهم هي على تلك الحالة البائسة؟
إن الوضع المزري الذي يعيش فيه ذلك المؤذن وعائلته كاف لكشف زيف كل ادعاءات بعض الجماعات الدينية بينناِ وبهذه المناسبة نتمنى ان نسمع شيئا من 'المعنيين' ليعود الادراك إلينا!
***
ملاحظة:
بعد مرور يومين على نشر التقرير الصحفي عن مأساة المؤذن اعلاه، نشرت الصحيفة نفسها ردا من وزارة الاوقاف ينفي وجود مؤذن من بين كادر موظفيها، ويعيل 14 فردا من اسرته، ويعيش في كوخ ملحق بالمسجد!
وهذا يعني اما خطأ سجلات وزارة الاوقاف، او عدم صدق ما ادعته لجنة الزكاة تلك فيما اوردته عن حالة ذلك المؤذن!