هل الكويتي مواطن سوبر؟
ما هو مفهوم الوطن؟ ما هي المواطنة؟ ما المقصود بالولاء للوطن؟ وهل هناك ولاء مطلق؟ لماذا يخون البعض اوطانهم، ويرفض آخرون ذلك؟ لماذا نتعلق بأرض ما؟ هل يمكن تغيير الاوطان؟ ما العوامل التي تساهم في خلق مواطن جيد؟ ما الذي يعنيه الانتماء لأرض ما؟ ولماذا يدافع البعض عن اوطانهم بشراسة تفوق دفاع الآخرين، واحيانا تفوق دفاعهم عن معتقداتهم الدينية؟ اسئلة متشعبة وصعبة، والاصعب منها الاتفاق على اجابة محددة عليها.
في هذا المقال، الذي لا اعرف الى اين سيمتد، سأحاول، باقتضاب غير مخل، الاجابة على هذه الاسئلة او التساؤلات بقدر ما اعرفِ والدافع وراء كتابته تعود بالدرجة الاولى الى الاحداث الاخيرة التي مر بها لبنان من جهة، والتي اختلطت فيها مشاعر الولاء للوطن مع مشاعر الولاء للطائفة، او الحزب الدينيِ وكيف تغلبت مشاعر ومصالح البعض الدينية على مشاعرهم ومصالحهم الوطنية الى درجة رفضت فيها، عبر تظاهرات صاخبة، خروج عسكر الغير من بلادها، لاعتقادها بأن ذلك سيؤدي الى اضعاف قواتها 'طائفيا'ِ
اما الدافع الثاني، فقد كمن في المحنة التي تعرض لها اخيرا الصديق والزميل احمد البغدادي، التي دفعته الى مطالبة دول العالم الحر بتوفير ملجأ آمن له بعيدا عن وطنه الذي اصبح لا يشعر بأمان العيش فيه بحرية وسلام!
***
يفتخر الكثير من الكويتيين بشبه انعدام 'خونة الاوطان'، بينهمِ ويستدلون على ذلك بتجربة الغزو العراقي التي مروا بها ابان الاحتلال العراقي لبلادهم، وذلك عندما لم يجد المحتل من هو على استعداد للتعاون معه في ادارة البلاد لفترة سبعة اشهر كاملة، وهو الامر الذي يمكن القول إنه لم يتكرر كثيرا في تاريخ احتلال الدول بعضها لبعض، وتجربة حكومة 'فيشي' في فرنسا، خلال الحرب العالمية الثانية، والتجربة اللبنانية، خير دليل على ذلك!
بالرغم من حقيقة هذه المقولة، فإنه من السذاجة قبولها كما هي دون الاخذ في الاعتبار الظروف والاعتبارات التي دفعت الكويتيين قاطبة تقريبا إلى عدم التعاون مع المحتل العراقي بالرغم من كل الاغراءات التي كان النظام العراقي على استعداد لتقديمها لهم.
اول تلك الاعتبارات، التاريخ الدموي الذي اتصف به النظام العراقي في تعامله مع مواطنيه ومع دول الجوار، حربا وسلما، وهو الامر الذي لم يكن خافيا على احد، والذي ادى بالتالي الى نفور في التعاون مبعثه الخوف من غدره وبطشه، وليس كرها في التعاون معه بشكل مطلق، والفرق بين الحالتين لا يحتاج إلى شرح طويل!
وثاني تلك الظروف والاعتبارات، التي جعلت الكويتيين خلال فترة الغزو اكثر وفاء لوطنهم مما كان متوقعا منهم، يتمثل في عدم توفر البيئة الدافعة للخيانة العظمى، التي عادة ما تنتج اما عن شعور بالاضطهاد من نظامه الوطني او رغبة في الحصول على مكافآت مادية او معنوية، وهذا ما لم يكن بمقدور النظام العراقي المحتل خلقه او توفيره، فقد كانت اوضاع الكويتيين السياسية والامنية وتلك المرتبطة بحقوقهم الانسانية، ولو كانت نسبية، خلال الفترة السابقة للغزو جيدة ومن المستحيل مقارنتها بالاوضاع المأساوية التي كان يعيشها الشعب العراقي آنذاك.
وهذا يعني ان النظام العراقي المحتل لو كان نظاما غير معروف بتسلطه، ولو لم يكن مسكونا بروح التشفي والانتقام من الغير وكان اكثر انسانية وتسلطا على مواطنيه واكثر كرما معهم، لكانت مسألة التعاون معه فيها نظر! اذا نخلص الى القول ان الظروف المحيطة بأي احتلال هي التي تحدد درجة المواطنة ومستوى التعاون مع المحتلِ فكلما كان المرء يعيش مكرما ومعززا في وطنه، كانت رغبته في الدفاع عنه اكثر قوة وصلابة، والعكس صحيح ايضا، والامثلة على ذلك اكثر من ان تحصىِ ولهذا كانت هناك دائما، وستبقى، لدى شعوب الدول ذات الانظمة الاكثر اضطهادا لمواطنيها، الرغبة في الهجرة 'الدائمة' الى مناطق اكثر حرية واكثر احتراما لحق الانسان في العملِ ولو فتحت الابواب على 'مصاريعها' لكل مواطني دول العالم الثالث القمعية، او التي لا تتوفر فيها فرص عمل كافية، للهجرة الى حيث تتوفر نسبة اعلى من الحرية والكرامة وفرص العمل، لاختارت نسبة كبيرة منها الهجرة من اوطانها الى الابد.
ولو عدنا إلى بعض الابيات الشعرية التي كنا، ولا تزال نسبة كبيرة منا تتداولها، وتنقشها على لوحات وتحف مؤطرة، وتعلقها في مكاتبها وبيوتها، مثل 'وطني لو شغلت بالخلد عنه لنازعتني اليه في الخلد نفسي'! أو: 'بلادي وان جارت علي عزيزة واهلي وان ضنوا علي كرام'! لوجدناها، بعد انتشار مفاهيم حقوق الانسان بيننا، ابيات فارغة من المعنى، بعد ان اصبحت حقوق الانسان جزءا لصيقا من شخصية الانسان نفسهِ وبالتالي يصبح الوطن الذي يحرم تلك الحقوق على مواطنيه غير جدير بالاحترام وبالمحبة وبالدفاع عنه والذود عن حياضه، كما يقال!
وعليه، من المهم جدا على القيادة السياسية الالمام بهذه الامور البديهية، وسنفترض هنا علمها بالامر، و لكن ما نراه من صنوف الاضطهاد والحجر على الحريات المنصوص عليها دستوريا تؤكد أن مفاهيم حقوق الانسان، حسب التفسير العالمي وليس المحلي، غير مطبقة في الكويت بالشكل المطلوب.
وبهذه المناسبة من المفيد الرجوع للتقرير السنوي الذي اصدرته 'منظمة بيت الحريات' او freedom house، وهي منظمة عالمية غير ربحية وغير حزبية، عن الحريات المدنية والحقوق السياسية ل192 دولة في العالم للفترة من ديسمبر 2003 وحتى نوفمبر 2004، حيث تضمن الملاحظات التالية عن عدد من دول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وذلك من خلال مؤشر رقمي من 1 الى 7 يبين مستوى تمتع مواطني دول المنطقة بالحريات المدنية والحقوق السياسية حيث نجد فيه تمتع اسرائىل بالمرتبة 1، اما الاردن والكويت والمغرب والبحرين فقد جاءت في المرتبة 5 من ناحية الحقوق السياسية، كما جاءت مصر ولبنان وقطر وايران والامارات في المرتبة 6 اما سوريا والسعودية وليبيا فقط حصلت على المرتبة 7!!.
اما من ناحية الحريات المدنية فقد بين التقرير ان اسرائيل تكمن في الدرجة (3) مما يعني عدم تمتع كافة مواطنيها بدرجة متساوية من الحريات السياسيةِ
كما بين التقرير تفوق الاردن والمغرب على الكويت في نسبة الحريات المدنية المتاحة لمواطنيها، اما البقية فحدث ولا حرج.
وعليه نخلص الى القول ان كرامة الانسان اصبحت امرا لصيقا بشخصه وكيانهِ وانتهاكات حقوق الانسان التي كانت مقبولة في الماضي من الحكومات، اما بسبب الجهل او لانعدام البدائل، اصبحت الآن امرا لا يمكن السكوت عنه، ليس فقط لتعلقها بكرامة الفرد بل لكونها الدافع الاول وراء حب الوطن والاخلاص له.