من أين نبدأ؟ (1/2)
يتطلب أمر تغيير كيان مجتمع ما إلى توافر المال والفكر والتنظيم السياسي
* * *
بخلاف قلة ترى وجوه اصحابها في كل تجمع او محاضرة، فإن بامكاننا القول ان المجتمع الكويتي بأكمله قد تم اختطافه من قبل قوى سياسية محددة، وهذه القوى تتمثل في التجمعات او الاحزاب والكيانات السياسية الدينية المنظمة في صورة مخادعة تسمى ب'الجمعيات واللجان الخيرية'.
تمتلك هذه الاحزاب والتنظيمات الدينية الرغبة المعلنة والمتسترة في تغيير بنية مجتمعاتها طوعا او كرها، بشتى الوسائل المعلنة وغير المعلنة.
وقد تمكنت طوال عقود من الزمن من خلق هياكل تنظيمية ومالية شملت العديد من الانشطة المالية والتجارية والعقارية، ومكنتها هذه الهياكل والمؤسسات المالية والاعلامية الفكرية من ارهاب المشرعين واصحاب القرار والسياسيين وعامة الشعب والتأثير فيهمِ كما سخرت هذه الاحزاب ما تحت ايديها من اموال طائلة في تحقيق مآربها وايصال من يمثلها لتبوؤ ارفع المناصب في مختلف السلطات.
نقول ذلك بمناسبة كم الاتهامات التي اصبحت توجه من هنا وهناك للعديد من الجهات والاطراف كونها المتسببة الحقيقية لموجة التطرف واعمال العنف التي لفت المجتمع أخيرا، والتي ستلفه لفترة طويلة قادمة.
وعلى الرغم من وجاهة كل تلك الاتهامات فنحن نعتقد كما كنا نعتقد لاكثر من عشرين عاما، أن التجمعات واللجان الدينية السياسية المغلفة برداء الدين هي المتسبب الحقيقي والمنبع الاساسي لكل موجات التطرف والعنف التي تشهدها البلاد حاليا، والتي ستشهدها في القادم من الايام، ان لم يكن للقادم من السنوات.
ان فكر هذه الجمعيات وافكار قادتها واموالها الطائلة وآلاف دعاتها، وما اقامته وتقيمه من معسكرات تدريب، وما تنظمه من محاضرات سرية وعلنية في مساجدها ودواوينها الخاصة او الاماكن العامة هي التي كانت، ولا تزال، وراء كل هذا الكم من المتطرفين الذين نراهم من حولنا والذين كانت اصوات غالبيتهم سببا في وصول عدد من غلاة المتطرفين الدينيين الى سدة السيادة الوزارية والتشريع لدينا.
ان علاج ظاهرة التطرف التي ستستمر لفترة طويلة بين ظهرانينا، لا يمكن ان يتم فقط عن طريق توافر رغبة حقيقية وصادقة في تغيير المناهج الدراسية بصورة جذرية، بحيث يلغى منها بصورة تامة كل ما يمت الى نبذ الآخر وكراهيته، وليس فقط عن طريق ايقاف الخطب السياسية بصورة تامة وشاملة من على منابر المساجد، شيعية كانت او سنيةِ ولا يكفي فيها تجييش اجهزة الاعلام المختلفة، خاصة وعامة، لينمو لدى المواطن الشعور الانساني بمحبة الآخر، بل يجب ان يسبق كل ذلك الغاء تراخيص واغلاق مقرات كافة التجمعات الدينية السياسية، من لجان وجمعيات وهيئات وتجريم اعادة تأسيس اي منهاِ ويمكن ان تسبق هذا الامر اعادة تعيين حراس قضائيين عليها، او مجالس ادارة معينة لها لفترة زمنية قصيرة لمعرفة حقيقة اعمالها والاستفادة من كم المعلومات التي تتضمنها سجلاتها في محاربة الارهاب!
بالعودة الى الفقرة الاولى من مقالنا نجد أن تجمعات الاحزاب الدينية هي المؤسسات الوحيدة التي تمتلك المال، سواء السائل منه او المستثمر بشكل جيد، كما انها الوحيدة التي سمحت لها الحكومة بتكوين تجمعات سياسية منظمة بغطاء شرعي، كما ان هذه التجمعات تمتلك الفكر السياسي الواضح والمعلن الذي يهدف الى تغيير بنية المجتمع، وبالتالي الدولة، ليكون متسقا مع فكرها السياسي الديني.
وعليه، فإن جميع محاولات القضاء على الارهاب واجتثاثه من جذوره ما لم يكن من الاولويات حظر التجمعات الدينية السياسية، تصبح محاولات عبثية محكوما عليها بالفشل.