وزير الشؤونِِ العقل وليس العطف

يمكن تقسيم حالات الاعاقة البشرية في الكويت، كما في غيرها من دول العالم، الى عدة اقسامِ فهناك حالات الاعاقة الجسديةِ وهنا حالات الاعاقة العقلية او النفسية الشديدةِ وهناك حالات الاعاقة النفسية العقلية المتوسطةِ ويمكن القول ان عدد حالات القسم الاخير هي الاكبر.
رغم هذه الحقيقة، فإن الدولة قامت، وبتلكؤ وبطء واضحين، بالعناية بأصحاب الفئة الاولى فأنشأت لهم ناديا للمعاقينِ ولو قام احد بزيارة سريعة لذلك النادي لخجل من وضعه المزري والبائس، ولكن هذا موضوع آخرِ كما قامت جهات اهلية، ذات توجهات انسانية، بالاهتمام بأصحاب الفئة الثانية، وانشاء جمعية اهلية للعناية بالحالات الصعبة.
ولكن لم تقم حتى الآن اي جهة بالاهتمام بشكل جدي وجذري بأصحاب الفئة الاكبر، خصوصا من ناحية تأهيلهم عمليا ونفسيا للانخراط ضمن فئات المجتمع الاخرىِ فحتى الامس القريب، ولا يزال جزء من الحظر قائما، كان غير مسموح لأي كان بفتح مدرسة لتعليم الفئات الخاصة تحت اي ذريعة كانت، ووزير التربية السابق، الصديق احمد الربعي، ومن سبقه ومن جاء بعده من الوزراء، وعدد ممن عاصروهم من الوكلاء والوكلاء المساعدين، شاركوا جميعا، وبشكل مباشر وصريح، في جناية منع تدريس ذوي الاحتياجات الخاصةِ ولم يكتفوا بذلك، بل وجهوا لنا، على رؤوس الاشهاد، تهمة 'الرغبة في التربح والمتاجرة' بمآسي ابنائنا المعاقين عن طريق فتح مدارس خاصة لفئة حرمتها انظمة الدولة من التعليم والتدريب المناسبين، ولكن هذه ايضا قصة اخرى، فقد تجاوز ابننا عمر المدرسةِ ورغم ان الدولة قامت متأخرة جدا في السنوات الاخيرة بتأسيس مجلس اعلى للمعاقين، فإن المجلس لم يقم بالدور المطلوب منه بصورة صحيحة، واقتصر هم القائمين عليه على صرف منح شهرية للمعاق او ذويه بحدود 230 دينارا ترتفع بنسبة تافهة في حال زواجه!
ومنع المعاق في الوقت نفسه، وبموجب القانون، من العملِ كما منع من العمل التجاري، ولو كان بسيطاِ اما اذا كانت له حصة، ولو تافهة، من ميراث عقاري، فان مكافأته سيتم ايقاف صرفهاِ كما يمنع المعاق، ونسبة منهم قادرة على اداء مهارات مهنية، من العمل في القطاع الخاصِ وان حدث ذلك فان مكافأته يتم ايقافها، وفي حال فقده وظيفته، وحاجته لمنحة الدولة مرة اخرى، فان عليه بالتالي استخراج مختلف الشهادات والمستندات التي تثبت عدم وجود عقار باسمه، وانه لا يعمل في اي جهة وانه لا يمتلك ترخيصا مهنيا او تجارياِ وانه، وهذا الاكثر تسببا في الألم، مجبر على مراجعة المجلس الطبي لكي يتم التأكد من انه لا يزال 'معاقا'!
ان الراتب الذي يحصل عليه المعاق من الدولة معيق بحد ذاته.
فهذا الراتب رغم قلته لا يسمح لصاحبه بالعملِ وقد يقول قائل ان على المعاق التخلي عن راتب الدولة، اذا كان بامكانه الحصول على دخل افضل من عمل ما، ولكن من يضمن استمرارية المعاق في عمله وضمان دخله الجديد؟
ومن المعروف كذلك ان مؤسسة التأمينات الاجتماعية ليست مؤسسة خيرية، بل تعمل على اساس كونها شركة تأمين على الحياةِ ونجاح اي شركة تأمين يرتبط باتساع قاعدة المشاركين فيها.
ما نجده على ارض الواقع هو خلاف ذلك تماماِ فالقانون يمنع المعاق الذي تصرف له الدولة مكافأة شهرية من الانضمام الى المؤسسة العامة للتأمينات!
وهكذا بغباء واضح نمنع المعاق من تأمين مستقبله من جهة، حيث ان مكافأة الدولة غير دائمة، ونمنع المؤسسة من كسب مشاركين جدد يزيدون من دخلها ويقللون من مصاريفها!
ان المعاقين، في غالبيتهم العظمى، بحاجة الى الانتماء، اكثر من حاجتهم الى المساعدة الماديةِ واذا كانت الدولة قد قامت بجزء صغير مما هو مطلوب منها تجاه المعاقين من الناحية المادية البحتة الا انها نسيت الجانب المعنوي تماما، وذلك بمنعها المعاق، بطريقة تعسفية، من الشعور الجميل والمهم بالانتماء الى جهة عمل.
كما يمنع القانون المعاقين من الحصول على مساعدة المائتي دينار التشجيعية التي يحصل عليها جميع العاملين في القطاع الخاص.
ان قانون المعاقين بحاجة الى دراسة واعادة نظر، بعد مرور كل هذا الوقت على تطبيقه.
ان وزير الشؤون هو الاقدر على فهم ان مشكلة المعاق تتطلب العقل قبل العاطفةِ وهو الذي يختلج في صدره الامران، ونحن بانتظار تحركه.
ويجب الا ننسى في هذه العجالة، او الاستطالة، ان المعاق بحاجة الى نظرة اكثر انسجاما مع انسانيته ومتطلباته المعيشية.

الارشيف

Back to Top