فرحة التحرير وفوز بوش
لا أعتقد، داخليا على الأقل، انني أبالغ لو ذكرت أن فرحتي ولهفتي على فوز الرئيس جورج بوش بدورة رئاسية ثانية، كانتا أقل من فرحتي ولهفتي على تحرير الكويت من الاحتلال الصدامي!
قد لا يعجب البعض هذا الكلام، ولكن عدم الاعجاب هذا سوف لن يغير كثيرا من حقيقة مشاعري تجاه ذلك الفوز المبين.
من المرعب مجرد التفكير في العيش في وطن محتل، خاصة عندما يكون المحتل بمثل غباء وبطش وعدم انسانية نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسينِ ومن هنا قد يعتقد البعض أن المقارنة، أو الربط، بين ذلك الاحتلال الحقير وبين فوز الرئيس الاميركي أمر مقبولِ فما علاقة تحرير وطن عزيز وغال بفوز رئيس أميركي تبعد بلاده عنا آلاف الكيلومترات، وتتقدم بلاده علينا علميا بسنوات ضوئية عدة؟
الفرق يكمن، ببساطة شديدة، في النوعية!
فالوطن لا يكون غاليا بدون نسمة الحرية التي نتنسمها فيه.
والوطن لا يمكن ان يكون عزيزا إن لم نستطع العيش فيه بكرامةِ كما أن الوطن لا يمكن الدفاع عنه والموت في سبيله إن لم تكن كامل حقوقك كإنسان متحضر، مصونة فيه أولا.
ما حدث في السنوات الأخيرة من سيطرة شبه تامة لقوى التخلف والتحجر في وطننا على مختلف أجهزة الدولة ومقدراتها، وما نتج عن ذلك التغلغل الخطير من تحكم في طريقة تفكيرنا كأفراد وجماعات، ونجاح تلك القوى في فرض مقرراتها الدراسية على أبنائنا، وما سمحت به لنا، أو ما لم تسمح لنا بمشاهدته من برامج على شاشات تلفزيوناتنا، وما أجازت لنا قراءته من صحف أو مجلات أو كتب، أو سماعه من وسائل إعلامنا الأخرى، كل سيطرة تلك القوى على حياتنا، وتدخلها السافر في كل أمر من أمورنا، جعل سيطرتها لا تختلف كثيرا عن سيطرة قوى الاحتلال التقليدية الأخرى!
وحيث ان قوى التخلف والتشدد هذه، بما تمتلك من مال وأجهزة وخبرة وقوة سياسية مسنودة بجهل شعبي محدد، على غير استعداد للتسليم بهزيمتها في أي معركة حضارية، وهي معركة قد لا تأتي أبداِ وحيث ان القوى الليبرالية، أو العلمانية المحلية، أو في منطقتنا عموما، إن وجدت، لا تمتلك، في المستقبل المنظور على الأقل، إمكانات التغلب على قوى التخلف هذه وقهرهاِ وعلى ضوء عجز أجهزة الدولة عن فعل شيء لوقف تقدم 'مدحلة' قوى التخلف من الاستمرار في القضاء على ما تبقى من نسمات حرية هنا واشارات بوجود كرامة إنسانية هناك، فعليه يصبح من المشروع جدا عقد الأمل، او الاستعانة، بقوى خارجية لكي تقوم بمهمة وقف تقدم المدحلة ووقف جر البلاد، وما فيها من بشر، الى أتون التخلف المذهبي والتعصب العنصري وكراهية الآخر والتطوع لقتله وتقطيع اطرافه وتشويه ما تبقى من جسده، يصبح أمر الاستعانة بها مشروعا ومطلوبا.
ومن هذا المنطلق، كانت فرحتنا بنجاح الرئيس بوش في الانتخابات، مساوية لفرحتنا بالتحرير، بغير تدخل قوى التغيير الغربية الهائلة القوة فإن انحدارنا نحو الهاوية سيستمر.