المحظوظ والمنحوس
لماذا يوجد هناك من يدعي بأنه شخص محظوظ، أو نعتقد أنهم كذلكِ وغيرهم يعتقدون العكس؟ وهل هناك شيء يسمى حظا؟ وهل حقا أن المحظوظ غير مجبر على بذل جهد كبير لكي ينجح في الحياة؟
قام العالم النفسي البريطاني رتشارد وايزمن، من جامعة 'هاتفوردشاير'، قبل سنوات بمحاولة الاجابة عن الاسئلة الازلية المتعلقة بوجود او عدم وجود شيء يسمى بالحظ، ولماذا هناك اشخاص يوجدون في الاماكن المناسبة في الوقت المناسب، وآخرون يواجهون، وبصفة مستمرة، مختلف أنواع المصاعب والتعقيدات في حياتهم وكأن الفرصة المناسبة سوف لن تتوافر لهم مطلقاِ وقام 'وايزمن' بنشر اعلان في صحيفة محلية طلب فيه من كل اولئك الذين يعتقدون بأنهم محظوظون وأولئك الذين يعتقدون عكس ذلك الاتصال به.
استجاب المئات من الاشخاص المميزين للإعلان وقاموا بالاتصال به للتطوع في موضوع دراستهِ وقام، على مدى سنوات، بمقابلتهم ومراقبة حياتهم والطلب منهم المشاركة في مختلف التجارب، والتي بينت له ان أولئك الذين يعتقدون أنهم محظوظون، أو عكس ذلك، على غير علم بالأسباب التي تجعلهم أصحاب حظ أو غير محظوظين، إلا أن لتصرفاتهم وطريقة تفكيرهم الدور الأكبر في هذا الأمر الحيوي!
ولو أخذنا موضوع فرص الحظ القليلة في الحياة لوجدنا أنها متاحة بشكل مستمر لفئة من البشر نطلق عليهم المحظوظين، وعكس ذلك على غيرهم.
ولمعرفة عما اذا كان الامر يتعلق بالقدرات الشخصية لهؤلاء او ان هناك شيئا ما يسمى ب'الحظ'، قام 'وايزمن' بتجربة بسيطة أعطى خلالها لمجموعة من المشاركين صحيفة وطلب منهم عد الصور الموجودة فيهاِ وكان قد قام قبلها بوضع إعلان خاص في صفحة داخلية ذكر فيها التالي: قم بإعلام المشرف على التجربة بأنك رأيت هذا الإعلان وستحصل على مبلغ 250 جنيها!
على الرغم من أن ذلك الإعلان غطى نصف صفحة وكتب بحروف بارزة لا يمكن للعين أت تخطئها، فإن ايا من اولئك الذين يصفون انفسهم بغير المحظوظين لم يتمكن من ملاحظتها، وحدث العكس تماما مع الذين يعتقدون أنهم من المحظوظين!
وهكذا تبين للعالم وايزمن ان الاشخاص الذين يعتقدون أنهم 'غير محظوظين' هم عادة من الذين يشعرون بتوتر في حياتهم بدرجة اكبر من المحظوظينِ وهذا القلق او التلهف يؤثر على قدراتهم في ملاحظة الكثير من الأمور غير المتوقعة، وكنتيجة لذلك يقومون بالتركيز الشديد على أمر ما، مما يفقدهم القدرة على ملاحظة أي شيء آخرِ حيث نجد ان هؤلاء مثلا يذهبون الى الحفلات لمقابلة شخصية بارزة معينة، وينسون، او يخسرون، في خضم ذلك، فرصة تكوين صداقات جيدة مع آخرين ربما تكون علاقته معهم أكثر فائدةِ كما نجد أنه عندما يقوم هؤلاء بمطالعة الصحف بحثا عن إعلان لوظيفة محاسب مثلا، فإنهم يفقدون، في خضم تركيزهم الشديد على إعلانات طلب محاسبين، فرصة الاطلاع على الوظائف الاخرى المطلوبة التي قد تكون مناسبة لهمِ وهذا يعني أن الأشخاص المحظوظين أكثر استرخاء وانفتاحا، وهذا يجعلهم يرون الامور في اطار اوسع واكثر رحابة.
كما توصل العالم 'وايزمن' إلى أن الناس المحظوظين يكونون ثرواتهم من خلال 4 مبادئ: المهارة في اقتناص الفرص الجيدةِ اتخاذ القرارات في ضوء ما يشعرون به من حدس داخليِ القدرة على التنبؤ في ضوء توقعات متفائلةِ تبني مواقف مرنة يمكن عن طريقها عكس المواقف السيئة.
بعد انتهاء العالم وايزمن من الوصول الى هذه النتيجة اخذ يتساءل عما اذا كانت هذه المبادئ تؤدي حقا إلى ان يكون الانسان محظوظاِ بسبب شكه في الامر طلب من مجموعة من المتطوعين الخضوع لتمارين مصممة لكي تساعدهم على التفكير والتصرف كالأشخاص المحظوظين، وذلك بالتركيز على ملاحظة، او البحث عن الفرص الجيدة في الحياة، والانصات للحدس الداخلي، وتوقع الحظ في كل فعل او تصرف، وان يكونوا أكثر مرونة وقابلية للتكيف مع الحظوظ السيئةِ بعد ان عاد المتطوعون من تلك التجربة لشرح ما حدث لهم كانت النتائج دراماتيكية، حيث تبين ان 80% من الذين شاركوا في تلك التمارين اصبحوا يشعرون بسعادة أكبر، وانهم اصبحوا اكثر رضى عن حياتهم وانفسهم، والاهم من ذلك أنهم اصبحوا يشعرون بأنهم أكثر حظا مما كانوا عليه، كما اصبح المحظوظون منهم يشعرون بأنهم أصبحوا أكثر حظاِ وهنا اكتشف وايزمن لغز الحظ المحير وقام بتلخيصه في النصائح الاربع التالية:
أولا: أنصت لغرائزك الشجاعة، فهي عادة ما تكون صحيحة.
ثانيا: كن منفتحا وعلى استعداد لتقبل التجارب الجديدة وكسر روتين الحياة.
ثالثا: خصص بعض الوقت كل يوم لتذكر الامور الجيدة التي حدثت لك والتفكير فيها.
رابعا: تخيل نفسك شخصا محظوظا قبل أي اجتماع مهم او قبل الرد على مكالمة هاتفية.
ان الحظ، في احوال كثيرة، لا يعدو ان يكون توقعا لما يرضي الذاتِ حظا سعيدا.