الراشد وتنمية ال'هاليبرتون
كنت، ولا أزال، من المعجبين بشخصية النائب الجديد علي الراشد، وحيث انني اتوقع سطوع نجمه في مواقف عديدة قادمة، فانني لم اكن ارغب له، وهو في بداية حياته البرلمانية كنائب حر مستقل، ان يصبح رئيسا للجنة تحقيق خلقت من الغوغائية والمزايدات المكشوفة، وهي اللجنة التي ستضيع الساعات الثمينة من وقت اعضائها، اضافة الى وقت عشرات الاطراف التي سيتم استدعاؤها للتحقيق دون ان تتمكن باعتقادي من الوصول الى قرار واضح في نهاية الامر، علما بان رئيس اللجنة سبق ان صرح بأن المعلومات المتوافرة لدى اللجنة هي مما نشر في الصحافة فقط!
ان السرعة وجو التشكيك والضغط السياسي الذي صاحب تشكيل لجنة التحقيق بينت بوضوح مدى غرامنا بكل ما هو مثير وجدير! فقد لاكت الألسن وخاضت الصحافة في مواضيع فساد كثيرة، كان آخرها مشروع 'ابوفطيرة'، ومع ذلك لم يطالب أحد بتشكيل لجنة تحقيق في الامرِ نذكر ذلك على الرغم من اعتقادنا بأن تجاوز خطأ ما لا يبرر السكوت عن غيره.
نعود الى موضوع المقال ونقول ان قيام شركة اجنبية ما بالاتفاق مع طرف محلي لشراء خدمة او سلعة امر خاص بها ولا حق لأحد بالخوض فيه طالما كان الاتفاق ضمن مواد القانونِ ويمكن النظر، ضمن هذا الاطار، للعلاقة التجارية التي ربطت شركة هاليبرتون، من خلال شركتها التابعة 'كيلوغ براون أند روت'، بشركة التنمية الكويتيةِ فقد رغبت الاولى في قيام طرف ما بشراء ما تحتاجه من وقود من مؤسسة البترول الكويتية والقيام بشحنه الى معسكراتها في العراق، واختارت من اجل ذلك طرفا محددا للقيام بذلك بعد ان ابدت الاخيرة استعدادها لتقديم الضمانات المصرفية المطلوبة، ودفع ثمن الوقود للحكومة الكويتية خلال 15 يوما من شرائه، وقبض ثمن البيع بعد 60 يوما، وتوفير 400 حاوية نقل وقود صالحة خلال فترة لا تتجاوز الاسبوعين من تاريخ توقيع العقد، على ان يصل العدد النهائي لتلك الناقلات الى 1200 بسائقيها!
بعد مرور اكثر من ثمانية اشهر من العمل بالعقد، وبعد ان تبين ان شركة التنمية قد حققت ارباحا مجزية نتيجة مخاطرتها غير المسبوقة في سوق وظروف اكثر من خطرة، وبعد ان استقرت الاوضاع الامنية في العراق نسبيا، وهي الاوضاع التي حصدت ارواح اكثر من عشرة من سائقي شركة التنمية واصابة 50 منهم بجروح خطيرة، وفقد اكثر من 170 ناقلة وقود، وبعد ان اثير موضوع مخالفات شركة هاليبرتون في الصحافة الغربية وفي الكونغرس، ثارت الضجة في الكويت من اطراف عدة اما لوجود مصلحة لها في الحلول محل شركة التنمية، وهذا أمر مبرر، أو من أطراف لها مصلحة سياسية في إدانة جهات حكومية معينة من أجل تصفية حسابات، أو جهات أخرى رأت أن في الأمر شبهة تحتاج الى تحقيق من نوع ماِ وهكذا تم تشكيل اللجنة تحت الضغط الشعبي، ولكن العبرة ليست في النجاح في تشكيلها بما ستتمكن من الوصول اليه في نهاية الأمر والذي لن يخرج عن كل أو بعض الأمور التالية:
إثبات الإساءة للمال العام.
إثبات تورط جهات حكومية او متنفذة قريبة منها في قبض عمولات من أحد أطراف عقد 'هاليبرتون/ التنمية'.
إثبات وجود مصلحة مباشرة، أو غير ذلك، لأحد الاطراف الحكومية، أو المتنفذة القريبة منها، في ملكية أحد أطراف العقد.
ضلوع جهات داخلية او خارجية، حكومية او غير حكومية، في ترسية العقد على شركة محددة.
ويعلم رئيس التحقيق، وأعضاء اللجنة الآخرون، بأن المال العام لم يمس في هذه القضية، بل العكس هو الصحيح حيث تمكنت مؤسسة البترول من بيع الوقود بأسعار تزيد عن السعر العالمي اضافة الى نسبة مئوية جيدة.
كما يعلم رئيس اللجنة وأعضاؤها بأن اطراف العقد أكثر حصافة من أن يتركوا وراءهم ما قد يدينهم فيما يتعلق بقضايا الدفع والقبض، هذا على افتراض ان شيئا مثل ذلك قد حدث بالفعل، على الرغم من أنه أمر لا يمكن استبعاده بشكل مطلق.
أما فيما يتعلق بدخول اطراف حكومية او متنفذة قريبة منها في ملكية أحد اطراف العقد فهذا ايضا من الصعب جدا إثباته.
وعليه يتبقى الأمر الأخير والمتعلق بوجود شكوك في تدخل جهات داخلية أو أجنبية في ترسية العقد على شركة 'التنمية'، وهذا احتمال غير مستبعد يتعلق بحق الطرف الأجنبي في اختيار من يراه لتنفيذ عقده محليا دون ان يضطر للافصاح عن الأسباب التي دفعته لذلك، حيث ان عشرات العوامل المهمة تتدخل عادة في مثل هذه العقود.
ومن جهة أخرى، لا يمكن فصل الظروف الصعبة التي كانت تمر بها القوات الأميركية في مواجهة أعمال النهب والسلب التي كانت مستعرة وقتها، وحاجة تلك القوات الماسة للوقود، عن ظروف توقيع وتنفيذ العقد في ظل روتين حكومي غير مبرر، الأمر الذي ربما دعا الى تدخل أكثر من طرف حكومي، داخلي وخارجي، للتغلب على ذلك الروتين والاسراع في عمليات الشحن دون تأخير.
نأمل بألا نكون قد تجنينا على أحد، علما بأن هذا المقال لا يمكن ان يلغي عمل لجنة تحقيق تم تشكيلها وانتهى الامر، ولكن من المهم ان نقول ما نعتقد لنتعلم من تجاربنا مستقبلا ونرتب أولوياتنا بطريقة افضل! نقول ذلك ونحن على ثقة تامة بأن كلامنا هذا ستذروه الرياح وتذهب بالخيمة بعد ان ذهبت بالأوتاد.