الطفل الصادق
لو قمنا باستثناء نسبة قليلة من شعوب اميركا اللاتينية ونسبة مماثلة من شعوب اوروبا الشرقية، وربما بعض الايطاليين والفرنسيين، لوجدنا ان عادة تقبيل الرجال بعضهم البعض عند التلاقي تكاد تنحصر بين الايرانيين والعرب فقطِ فهذان الشعبان هما الاكثر شغفا وتبادلا للقبلات في العالم اجمع، فهم يتبادلونها قبل السفر وبعد العودة والفراقِ كما لا تختلف نوعية هذه القبلات في حفلات الزواج والفرح عنها عند تقديم العزاء، ولا تقل الاصوات التي تصدر عند التهنئة بخبر مفرح عنها عند المواساة بحادث مرور او حتى عند إتمام بيع سيارة قديمة.
وتختلف عادات التقبيل من دولة لأخرى، كما تختلف ضمن الدولة الواحدة من جماعة لاخرى ومن قبيلة لغيرها ومن اتباع مذهب لآخر.
فالايرانيون مثلا يتبادلون ثلاث قبلات تقع جميعها على الخد، ويشاركهم في العدد بقية العرب، الا ان غالبية الكويتيين والسعوديين يتبادلون قبلتين فقطِ كما تتنوع عملية تبادل القبلات في منطقة الخليج وبين قبائلها وجماعتها العرقية الاخرى من لمسات متناغمة ومتسارعة على الخد الواحد تصل احيانا الى الخمس، او تلامس رؤوس الانوف بعضها ببعض الى تقبيل انف او رأس الاكبر عمرا او مكانة، وهذه تتسبب احيانا في ارباك طرف او اكثر، وذلك عندما تتفاوت الاطوال بحيث يضطر الكبير المقام والطويل القامة للانحناء بشدة لكي يستطيع الاقصر تقبيل انفه او رأسه، وفي ذلك اخلال واضح لمعنى الاحترام!
كما يصبح الامر مضحكا احيانا عندما يلتقي طرفان متساويان اجتماعيا، حيث يصر كل طرف على تقبيل الآخر، فيهم الاول بتقبيل رأس الثاني الذي يقوم برفع قامته ليكون له سبق تقبيل رأس الاول، فيقوم هذا بدوره برفع قامته بشكل اكبر ليمنع الاخر من تقبيل رأسه من جهة، وليتمكن هو من طبع قبلة على رأس الآخر وتستمر عملية الارتفاع والارتفاع المضاد للحظات حتى يقر احدهم بالهزيمة.
ولو قمنا بإجراء مسح سريع لعادات شعوب الارض في التحية لوجدنا ان غالبيتها، والمتقدمة منها بالذات، تكتفي بالمصافحة اليدوية دون تبادل القبلات، مع استثناء اليابانيين والصينيين والشعوب المقاربة لهم الذين يتبادلون التحية دون ملامسة جسدية وذلك بالانحناء بعضهم لبعض، ويبلغ عدد هؤلاء مليارا ونصف المليار تقريباِ كما يكتفي غالبية الهنود، والشعوب المقاربة لهم، وعددهم مليار تقريبا، بتبادل التحية عن طريق ضم الكفين والانحناء قليلا الى الامام.
ان ما نقوم به من تبادل للقبلات بمناسبة وغير مناسبة، وعلى الطالع والنازلِِ بمعنى وبغير معنى، والتي تكون في احيان كثيرة بين اشخاص يمقتون بعضهم بعضا، ما هو الا تعبير على حالة الزيف التي يعيشها الكثيرون منا، والنفاق الاجتماعي الذي يلف تصرفات الكثيرين.
وعليه فإننا سنحاول من اليوم التقليل، وصولا الى درجة الامتناع الكلي، عن تبادل القبلات مع الرجال، سواء من الاقارب او المعارف او الاصحاب، وهذا ليس بالعسير مع غالبية هؤلاء، ولكن المشكلة تكمن في فئة قليلة لا تعرف طريقة لاظهار ودها وامتنانها او محبتها إلا بهجوم تلثم فيه الخدود بلعاب يصعب التخلص منه من غير حرج، وهؤلاء يمكن صدهم باليد الممتدة بقوة وادعاء الاصابة بنزلة برد شديدةِِ!!
* * *
ملاحظة: هل فكر احدنا في السبب الذي يدفع نسبة كبيرة من الاطفال الصغار لمسح خدودهم بصورة عصبية فور انتهائنا من تقبيلهم؟ ألا نشعر نحن احيانا بأننا نود تقليد اولئك الاطفال، ولكن النفاق والرياء يمنعاننا من فعل ذلك!!